كمثل الحمار ! 20157 20153 20151 هـ - الموافق 22 أغسطس 2015
كان من أهالي الحلّة ، عمره يتجاوز السبعين ، مطّلعاً على العلوم الحوزوية من الأدب العربي إلى الفقه و الأصول و التفسير والكلام والحكمة وأظنّه قد وصل إلى مرتبة الإجتهاد لأنه درس عند كبار الفقهاء ، كان معي في سجن بغداد في زنزانة واحدة ضمن المئات من السجناء فاغتنمت الفرصة و حاولت الإطلاع على بعض ما لديه من العلوم كما أنّني كنت أدرِّس المبتدأين من طلاب العلم هناك ، و كان يتناقش مع السجناء من الأحزاب السياسية السنّية كحزب التحرير والإخوانً وكان هو الغالب دائماً يفحمهم باستدلالاته القوّية و منطقه القاطع و بيانه البتّار كان يمكر بهم فيرفعهم إلى الأعلى بذكر مواصفات قادتهم ومن ثمّ يسقطهم من المرتفع فتتهشّم أضلعهم الإعتقادية فلا تبقى لهم باقية.
الجدير أنّ جميع السجناء كانوا ينتظرون التخلّص من السجن إلا هذا الحمار الحلّي !! نعم هو كذلك.
سألته لماذا سجنت ؟ قال أنا أُسجنُ نفسي في كلّ سنة ! وذكر لي قصته وقال: أنا لا أمتلك عائلة و لا بيتاً إلا بعض الكتب في القانون ، وعملي هو الجلوس عند بوّابة جامعة بغداد و تصحيح رسالة دكتورا الطلبة المتخرجين في قبال أخذ مبلغ ما ، وبما أنّ وظيفتي هذه موسمية فلذلك أحاول إيجاد مشكلة تؤدّي إلى السجن ستّة أشهر فقط ، وبما أنني خبير في القانون العراقي ألقي كلمة من خلالها أسبُّ شخص (ميشل عفلق) وهو مؤسس حزب البعث العربي الإشتراكي بفرعيه السوري والعراقي ، فيأتي رجال الأمن ويودعوني السجن ستّة أشهر فقط ! ويا له من حظٍّ وفير ! كأنّي أعيش في فندق نجمينٍ ! آكل و أشرب و أنام مجّانا. ثمّ أرجع إلى عملي وهكذا ! وأمّا كتبي فأضعها أمانً في بقالة مجاورة للجامعة و أستلمها حين الخروج.
أعزائي و أحبائي لو لا حبّي لكم لم أكن أسمح لنفسي ذكر هذه القصّة ..
المفاجأة : إنّ هذا الرجل اشترط معي شرطاً واحداً وهو : عدم الإعتراض و لا النقاش و لا السؤال معه حول أفعاله القبيحة ، و يا ترى ماذا كان يفعل ؟ لا يصلّي أبداً ! و لا يصوم ! ولا يتطهّر حين دخول الحمام !! و لا .. و لا ...يا لها من مصيبة ! نعم هو مصداق بارز لقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ..)(الجمعة/5). ندعوا له حسن العاقبة .
فيا أيّها العزيز لا تغرّنك المصطلحات و ما تسمّى بالعلوم فربّما تكون هي الحجاب الأكبر تحُول دون معرفة الله تعالى و دون القرب إليه!
وعليك بالإخلاص و التقوى و تهذيب النفس والتواضع و و الحلم واجتناب الحسد أولا ثمّ العلم ثانياً لتكون مصداقا للأميين ، أمّةِ الرسول الإمّي (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ)(الجمعة/2).
إبراهيم الأنصاري – يوم الجمعة 6 ذيقعده 1436 الساعة الواحدة ظهرا
البحرين- المنامة