الرؤية الثاقبة والبصيرة النافذة ! 20157 20153 20151 هـ - الموافق 04 مايو 2015
الرؤية الثاقبة والبصيرة النافذة: (يا عمّة أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة و فهمة غير مفهّمة ) كلمات نطقها الإمام زين العابدين عليه السلام في حقّ عقيلة بني هاشم زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام وقد مسح الإمام الحسين عليه السلام على صدرها فانفتحت لها أبواب السماوات والأرضين ورأت ما رأت من المقامات العالية و المراتب السامية خصوصاً شاهدت درجات سيد الشهداء عليه السلام ولعلّها نظرت إلى تلك الدرجات التي قد خصصت للإمام الشهيد حيث خاطب رسول الله صلى الله عليه وآله ابنه الإمام الحسين (وإن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة) كما أنّها رأت درجات بني هاشم خصوصاً أبا الفضل العباس وقد ورد في زيارته ( وَرَفَعَ ذِكْرَكَ فِي عليين وَحَشَرَكَ مَعَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ) وأيضاً هي شاهدت مواطن الأصحاب في الجنّة ، فهذا عبدا لله الحنفي أخذ يحمي الإمام ويتلقّى السهام بصدره وجبهته، فلم يصل إلى الحسين(ع) سوءا ولما كثرت فيه الجراح التفت إلى أبي عبد الله الحسين(ع) وقال: "أوفيت يا بن رسول الله ؟" قال: نعم أنت أمامي في الجنة فاقرأ رسول الله مني السلام وأعلمه أنّي في الأثر) . كما أنّها رأت حقيقة مصباح الهدى و سفينة النجاة ، وهما من خصوصيات سيد الشهداء عليه السلام ولولا هاتان الخصلتان لكنّا من الهالكين ، ولكي نتصوّر ما رأته العقيلة ينبغي أن نتوسّل بمثال : لو أنّ شخصاً أراد أن ينتقل في الليل المظلم من ضفة النهر إلى الجهة الأخرى لخلاص ابنه من الأعداء فبمجرّد أن قرر الدخول في الماء فإذا باشتعال مصباح من فوقه على الماء على التماسيح الفاتحة أفواهها لتلقفه ! وفي اللحظة التي كان يفكّر في ابنه فإذا بسفينه أمامه تريده أن يركب فيها والقبطان هو الذي سينقله إلى الجهة الأخرى ، كم من نعمة عظيمة هذه ؟ هو الإمام الحسين عليه السلام منقذ العباد من جميع الشرور خاصة شر الجهل و الضلال وقد ورد في الزيارة عن الإمام الصادق عليه السلام قوله في الامام الحسين عليه السلام (وبَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ لِيَستَنقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وحَيرَةِ الضَّلالَةِ) هذا ما شاهدته زينب عليها السلام رأي العين . وقد شاهدت ما هو أعظم للعباد وهو سهولة فتح باب التوبة رغم صعوبته وذلك من خلال عبرة لا غير فهذا هو (الإمام الصادق (ع ) يخاطب أباعمارة الشاعر قائلاً : يا أبا عمارة من أنشد فى الحسين بن علي عليهما السلام شعراً فأبكى خمسين فله الجنة، و من أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة، و من أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنة، ومـن أنشد فـي الحسين شعـراً فـأبكى عشرة فله الجنة، و من أنشد فى الحسين شعراً فـأبكى واحداً فـله الجنة، و من أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنة، ومن أنشد فى الحسين شعراً فتباكى فله الجنة ) وفي هذا المجال توجد نصوص كثيرة ، علماً بأنّ زينب هي بنت أمير المؤمنين الذي ورد في شأنه قوله تعالى (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)(البقرة/207). فمن منطلق رأفته عليه السلام لكافة العباد بات في ذلك فراش الرسول الذي ورد في شأنه (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(التوبة/128). كما أنّ أمّها سلام الله عيها أيضاً مظهر الرحمة ففي الحديث عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام ( كانت فاطمة عليها السلام اذا دعت تدعوا للمؤمنين و المؤمنات و لا تدعوا لنفسها فقيل لها يا بنت رسول الله انك تدعين للناس و لا تدعين لنفسك فقالت: الجار ثم الدار. (علل الشرايع، ج 1:216.) هذا : فالعقيلة قد ورثت من جدّها وأمّها وأبيها هذه الخصلة العظيمة ، فبمجرّد أن شاهدت أنّ بقتل أخيها انفتحت أبواب الرحمة والمغفرة والتوبة والإنابة نادت : (ما رأيت إلا جميلا)