نور الله في ظلمات الأرض 20217 20213 20211 هـ - الموافق 20 أكتوبر 2021
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض
لاحظ هذه الآيات المباركة في سورة الصفّ حيث تبيّن موقف أحد أولي العزم من الرسل من ناحية، و موقف القوم منه من ناحية أخرى ، قال:
(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ )(الصف/6).
والمفروض أن يتّبعوا الإسلام ولكنّهم ولمصالح مادّية عاندوا ولم يستسلموا وظلموا أنفسهم فضلّوا وأضلّوا ! فينبغي لك أيّها العزيز و في كلّ يوم في قرائتك سورة الفاتحة أن تقول (ولا الضالّين) فتبتعد من هؤلاء القوم و تتحذر من نهجهم حيث أنّهم أبرز مصداق للضلال المبين (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(الصف/7).
هذا وهل بإمكانهم إطفاء هذا النور الذي بزغ فنوّر العالم كلّه؟ وبأيّ وسيلة ؟
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(الصف/8). (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(الصف/9).
سؤال: ما هو الدين ؟
جوابه : الدين هو الموقف قبال الشيء ثمّ العمل طبقاً لذلك الموقف. فربّما يكون موقفاً في تجاه:
*هوى النفس (أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً)(الفرقان/43).وحينئذٍ ستكون أعمال وتصرّفات الإنسان منسجمة مع الهوى وتابعة له.
*أو التكنلوجيا: فيكون هو الإله؛ وهو المعيار و الميزان لتقييم كلّ شيء.
*أو الثقافة الغربيّة المنحطة:فعلى أساسها تصدر من الإنسان كلّ صغيرة و كبيرة.
*أو الشيطان: فيصبح هو المعبود من دون الله (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)(يس/60).
فقوله "ليظهره على الدين كلّه" يعني أنّ الإسلام سوف يقضي على جميع الأديان سواء كانت هي اليهودية والنصرانية أو هوى النفس و التكنلوجيا وعلى رأس الأديان الباطلة الشيطان بنفسه، وبذلك تبرز مصداقية قوله (ليظهره على الدين كلّ).
فمولد الرسول الأكرم هو مولد نور (أحمد) الذي نزل من السماوات العلا فأزال جميع الحجب حتّى استقرّ في بيت عبد الله فأنار فاصبح دليلا قاطعاً على الله جلّ و علا في الليل الأليل .
على ضوءه تعرف السرّ فيما حدث عند ولاديته.
(في الأمالي للصدوق عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال كان إبليس لعنه الله يخترق السماوات السبع ..فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله حجب عن السبع كلها و رميت الشياطين بالنجوم...و أصبحت الأصنام كلها صبيحة ولد النبي صلى الله عليه وآله ليس منها صنم إلا و هو منكب على وجهه، و ارتجس في تلك الليلة إيوان كسرى و سقطت منه أربع عشرة شرفة و غاضت بحيرة ساوه و فاض وادي السماوة و خمدت نيران فارس و لم تخمد قبل ذلك بألف عام ...و انتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق و لم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا و الملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك و انتزع علم الكهنة و بطل سحر السحرة و لم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها و عظمت قريش في العرب و سموا آل الله عز و جل قال أبو عبد الله الصادق ع إنما سموا آل الله لأنهم في بيت الله الحرام و قالت آمنة إن ابني و الله سقط فاتقى الأرض بيده ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ثم خرج مني نور أضاء له كل شيء ...)
هذا :
ومهما حاول الأعداء التستّر على هذا النور إلا أنّ محاولاتهم هذه لا جدوى ورائها إلا الخيبة و الخسران! لأنّه لم يكن هذا النور وحدَه ، بل ظهر في ثلاثة عشر شخصيّة بألوان مختلفة في الظاهر، و هي تلك الأنوار الزاهرة، والحجج البالغة. ولكن في آخر الزمان ستبرز إشراقة من ذلك النور من أرض خراسان ومنها تنتشر لتستوعب الأرض ولو كره الكافرون (السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض)
وهذا هو المشاهد رأي العين!
ومن ثمّ تبدأ الإشراقة تتوسّع وتشتدّ تدريجاً إلى أن تفاجئ الطغاةَ جنود إبليس وذلك من خلال مسيرة (الأربعين) المليونية وستستمرّ إلى تتم الأنوار كلّها التّى هي نور واحد (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) وهكذا ستتقدم إلى أن ينقلب ليل الدنيا إلى يوم الله الظهور فتُشاهد تلك الأنوار في الساحة والميدان بوضوح!
هذه هي الرجعة بعينها فتدبّر.
إبراهيم الأنصاري البحراني
الأربعاء 13 ربيع الأول 1443
20/10/2021
الساعة السابعة صباحاً
البحرين
الحج الإبراهيمي و اللقاء الموسوي 20217 20213 20211 هـ - الموافق 19 يوليو 2021
الشبه بين الحج الإبراهيمي و اللقاء الموسوي في طور:
سؤال يطرح نفسه و هو:
لماذا في العشرة الأوائل من ذي الحجّة يكون التركيز على موسى بن عمران عليه السلام ، خصوصاً من خلال ركعتي الصلاة المشتملة على الآية المباركة (وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثینَ لَیْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ میقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعینَ لَیْلَةً وَ قالَ مُوسى لأَخیهِ هارُونَ اخْلُفْنی فی قَوْمی وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبیلَ الْمُفْسِدینَ) [اعراف۱۴۲]
علما بأنّ هذه الحادثة لم تتحقق في مراسيم الحجّ بل وقعت في جبل الطور؟
فهل هناك ارتباط بين الحادثتين، أم ماذا؟
فلنتدبّر و لنتفقّه في الأمر لعلّنا كشفنا بعض الحقائق الكامنة وراء الستار .
- لاحظ قوله تعالى في قصّة موسى: (فَتَمَّ میقاتُ رَبِّهِ)، فهنا ميقات كميقات الحجّ، غاية ما هناك هنا الميقات زمانّي و في الحجّ الميقات يتعيّن في مكان خاص،علماّ بأنّ هناك ارتباط وثيق بين الزمان و المكان قد أثبته الحكماء.
وأيضاً هذه العشرة كانت العشرة الأولى من شهر ذي الحجّة
(كما ذكر ذلك المفسرون من الفريقين) (..عن الصادق صلوات الله عليه: أن الأيام المعلومات عشر ذى الحجة) مصباح المتهجد671
فقصّة موسى تتطابق زماناً مع حجّ بيت الله الحرام ، فهذا الوجه الأوّل للشبه بين القضيتين.
2- لاحظ الآية التّي تتلوها وهي : (وَ لَمّا جاءَ مُوسى لِمیقاتِنا وَ کَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنی أَنْظُرْ إِلَیْکَ...) هذا هو حقيقة (عرفه) لأنّ عرفة هو موسم المعرفة، فأراد موسى أن يضاعف معرفته لربّه من خلال النظر إلى وجهه أعني الربوبيّة فيصل إلى لقاء الرب تعالى!
فعرفة متواجدة في كلا الميقاتين الحجّ الإبراهيمي واللقاء الموسوي أو بالأحرى الحجّ الموسوي .
3-أيضاً من وجوه الشبه هو ما ورد في قوله تعالى: (قالَ یا مُوسى إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتی وَبِکَلامی فَخُذْ ما آتَیْتُکَ وَ کُنْ مِنَ الشّاکِرینَ) [اعراف۱۴۴]
وهذا بعد انتهاء الأربعين ليلة، فيا ترى ما هو هذا الاصطفاء؟ إنّه هو العطاء الإلهي ، وهذا هو العيد بعينه! ينبغي أن يفرح موسى بذلك و يشكر ربّه على هذه النعمة العرشية، هذا و قد أضاف سبحانه على هذه العطايا ما ورد في قوله:
(وَ کَتَبْنا لَهُ فِی اْلأَلْواحِ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصیلاً لِکُلِّ شَیْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَکَ یَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُریکُم دار الْفاسِقینَ)[اعراف۱۴۵]
4-الإبتعاد عن مظاهر الدنيا أعنى الإحرام ومحرمّات الإحرام في الحج الإبراهيمي، نشاهد أيضا هنا في ميقات موسى، وذلك من خلال التأمّل في قوله تعالى (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَامُوسَى )(طه/11). (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى)(طه/12). وعلى حدّ تعبير السيد الإمام الخميني رحمه الله : النعلان هما كناية عن الدنيا الدنيّة ، فينبغي الإبعاد عن الدنيا وزينتها.
5- قال تعالى (حُنَفاءَ لِلّهِ غَیْرَ مُشْرِکینَ بِهِ) هذه صفة لمن يريد أن يحقق الحجّ الإبراهيمي ، و الحنيفيّة تعني التركيز على وجه الله للوصول إلى لقاء الله ولذلك قال بعدها مباشرة(غير مشركين به) لدفع الدخل المتوهم ، فهذا ليس من الشرك في شيء بل هو عين التوحيد . هذا وفي الحج الموسوي أيضاً نلاحظ التركيز على (الربّ) (قالَ رَبِّ أَرِنی أَنْظُرْ إِلَیْك) فحديثه مع الربّ ، فمن هو الربّ ؟
جواب هذا السؤال تراه في قصّة إبراهيم عليه السلام حيث دخل في الملكوت وشاهد ما شاهد ثمّ رجع (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ)(الأنعام/76). (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)(الأنعام/77). (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(الأنعام/78). (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام/79).
لاحظ أنّ إبراهيم لم يُطلق كلمة الله عليها، بل قال (هذا ربّي). والربّ هو المربّي الملكوتي ،فموسى يعلم قطعاً بأن الله غير قابل للرؤية، والدليل على ذلك ما ورد عن لقاءه و أخذ سبعين رجلاً معه، ففي عيون أخبار الرضا عليه السلام باسناده عن علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا (عليه السلام) فقال له المأمون: يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليس من قولك: ان الانبياء معصومون؟ قال: بلى، قال: فما معنى قول الله عزوجل إلى أن قال: " ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني " الآية كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) لا يعلم ان الله تعالى ذكره لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ قال الرضا (عليه السلام): ان كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) علم ان الله تعالى منزه عن أن يرى بالابصار، ولكنه لما كلمه الله عزوجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم ان الله تعالى كلمه وقربه وناجاه فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعته، وكان القوم سبع مأة ألف رجل فاختار منهم سبعين الفا ثم اختار سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمأة، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى (عليه السلام) إلى الطور وسأل الله عزوجل أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق واسفل ويمين وشمال ووراء وامام، لان الله تعالى أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثا منها حتى يسمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن بان هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عليهم صاعقة وأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا ).
فالحاصل أنّ موسى عليه السلام يريد من (الربّ) هو الرب الملكوتي، الذي شاهده إبراهيم عليه السلام من قبل ، فهو عندما جاء إلى الدنيا كان بصدد العثور على مصداق الربّ فرأى الشمس و القمر و الكواكب فلم يتقبّلها ، ثمّ قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام/79). كما أنّ موسى عليه السلام أيضاً كان بصدد العثور على مصداق الربّ ، فكلا النبيَين كانا يبحثان عن أمر واحد بلا فرق بينهما.
أجابه الله بقول (لن تراني) وذلك لأنّها كانت حقيقة ملكوتية و الحقائق الملكوتية لا تتحمّلها الدنيا، فمن المستحيل أن يشاهد الربّ في الدنيا.
(وَ لکِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) أي ركّز على الجبل (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکانَهُ فَسَوْفَ تَرانی) فلم يظهر الرب سبحانه، بل أثَّر في الكون (فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقًا) فلو تأمّلنا في قوله (خَرَّ مُوسى صَعِقًا) لشاهدناه في قصّة الحج الإبراهيمي (وَ مَنْ یُشْرِکْ بِاللّهِ فَکَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ) فكلاهما ينبعان من منهل واحد فكلاهما يرتبطان بعرفة وكلاهما ينطلقان من منطلق واحد وهو أنّ الربّ الملكوتي ينبغي أن يكون له مصداق في العين لكي ننسّق أمورنا معه .
وكلاهما كانا بصدد العثور على الربّ الملكوتي ، أمّا فيما لو أفرط في الأمر (فكأنّما خرّ من السماء) و أيضاً (و خرّ موسى صعقا).( فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنینَ )[اعراف۱۴۳]
6- لا حظ قوله تعالى(تُبْتُ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنینَ ) وهنا التوبة تعني أنّه ينبغي لي أن أرتقي أنا لأصَلَ إليك ، لا أن تُنزّل نفسك إليّ يا ربّ . هذه التوبة بعينها جاءت في الحجّ الإبراهيمي (...وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(البقرة/128). والمقصود هنا (ارتق بنا إلى الارتفاع و إلى الأعلى ) وهذا هو السرّ الكامن في رفع القواعد من البيت !
هنا ترى بأن إبراهيم عليه السلام و موسى عليه السلام كلاهما أرادا الوصول إلى الربّ في هذه الدنيا، ثمّ عَلِما بأنّهما لا بد وأن يرتقيا إلى الأعلى للقاء الربّ وذلك من خلال حقيقة (التوبة) التي هي الارتقاء إلى الملكوت حتّى الوصول إلى محضر الربّ الملكوتي لو نظرنا من زاوية، ولو غيّرنا زاوية النظر نقول : الوصول إلى محضر السلطان الملكوتي كما ورد ذلك في القرآن الكريم.
نشاهد أنّ إبراهيم عليه السلام رغم كونه من أولي العزم كان منسجماً مع ذلك النور الملكوتي وذاك النور هو أفضل من إبراهيم عليه السلام ، وهو يعلم بأنّ هذا النور ليست له شخصيّة مستقلّة ، هذا النور ليس هو الله وليس هو شخص من دون الله ، هو مرآة صافية ينعكس فيه نور الله وكل ما يريده الله يتحقق في هذا النور ! كيف يكون ذلك ؟
الله سبحانه قد صرّح بهذا في قوله (يد الله فوق أيديهم) (عين الله)(ثار الله) (نور الله).
فقال موسى (وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنینَ) من ناحية الزمان و من ناحية الدرجة والرتبة ، فالحاصل أنّ عرفة متواجد في الحج الموسوي و أيضاً في الحج الإبراهيمي .
ثمّ يأتي دور العطايا لإبراهيم عليه السلام (ذلِکَ وَ مَنْ یُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (۳۲) لَکُمْ فیها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَیْتِ الْعَتیقِ) [حجّ۳۳]
وأمّا موسى عليه السلام (یا مُوسى إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتی وَ بِکَلامی فَخُذْ ما آتَیْتُکَ وَ کُنْ مِنَ الشّاکِرینَ ) هذا الشكر من أجل العطاء الإلهي وهو من ثمرات العيد .
والنتيجة أنّ هناك شبها واضحاً بين حادثة إبراهيم الخليل عليه السلام و قصّة موسى .
إبراهيم الأنصاري
البحرين – المنامة
11 ذو الحجّة 1440
العروج إلى السماء 20217 20213 20211 هـ - الموافق 20 مايو 2021
الإنتقال إلى السماوات يتم من هذه الحياة قبل الممات ، فلاحظ ونفسك وتبصّر فيها إن كانت تميل إلى زينة الحياة الدنيا فاعلم أنه لن يعرج روحك بعد الممات أبداً وسيبقى في الأرض سجيناً متألما منزعجاً خائفا فزعاً بسبب مشاهدته للأرواح الخبيثة من الفراعنة و المجرمين، ولو انتقلت إلى السماء الاولى فأنت تشاهد الملذات ولا يمكنك التقرّب إليها حيث لا أرادة هناك ، فينبغي أن نسعى لكي نعرج بعد الممات على الأقل إلى السماء الثانية حيث يحظى الروح بالحريّة والإختيار وبامكانك حينئذٍ أن تستفيد من الملذات العجيبة في جنّة الفردوس ، فرحين بما آتاهم الله من فضله.
فليكن همنا وهاجسنا وحبنا و ميولاتنا منعطفة نحو السماء الثانية فما فوق وذلك من خلال التسبيح، والتقديس أولا ثمّ التوجه إلى مقام الشهيد وأخص بالذكر سيد الشهداء عليه السلام والإبتعاد عن مظاهر الدنيا وزخارفها (الموديلات ، الماركات ، الألعاب ، المسابقات الملهية ، واللهو ، وما شاهها).
هل سلمت على الحسين حقيقة؟ 20197 20193 20191 هـ - الموافق 12 سبتمبر 2019
(السلام عليك يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ)
عندما نسلّم على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام وأولاده و أصحابه يا ترى ماذا نقصد بذلك ؟
نريد القول :
سيدي أنت في أمان و سِلم، سيّدي لا خطر يتوجّه إليك ، وليست هناك مشكلة أبداً، فأوّل درجات السلام هو الأمان. وأمّا أعلى درجات السلام فهو يعني أنّ كلّ شيء ممتاز وعلى ما يرام !
ولكن:
في الأشهر الأخيرة أعني قبل محرّم 61 لم يكن أقل معاني السلام جارياً على أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فلم يكن الإمام عليه السلام وهو في المدينة المنوّرة مأمونا من خطر بني أميّة الطغاة حيث أنّ كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة : (خذ الحسين، بالبيعة أخذاً شديداً، وإذا أبَى فاضرب عنقه، وابعث إليَّ برأسه) ولذلك ظهر الخوف في الإمام لا من الشهادة، بل من اندراس الحق بعده ، وهذا ما يستفاد من كلماته عليه السلام قبل موت معاوية بسنتين حيث حج الإمام عليه السلام و جمع بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم فاجتمع إليهم بمنى أكثر من ألف رجل فقام الحسين عليه السلام فيهم خطيبا فحمدالله وأثنى عليه ثم قال:
"أمّا بعد فإن هذا الطاغية، قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم، ورأيتم، وشهدتم، وبلغكم. وإني أريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبونى، اسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم، من أمنتم ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فإني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، والله متم نوره ولو كره الكافرون)
(الاحتجاج ص150،151) ولذلك عندما غادر المدينة المنورة تلا قوله تعالى)فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين)(القصص /21) فلم يكن إمامنا سالماً من الأعداء ولذلك خرج منها إلى مكّة ليلا . وأيضا لم يكن الإمام مأموناً في مكّة بل كان في معرض الإغتيال
وكان خوفه من الاغتيال، لا من أجل نفسه بل كان يخاف من أن يهتك بيت الله الحرام، وقد جاء ذلك في حديثه مع ابن الحنفية في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكة( فقال: يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم ، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت)
ثمّ أنّ أهل الكوفة خاطبوه (السلام على الحسين) وهذا كان المفهوم من كتب القوم إلى الإمام، فتوجّه نحو الكوفة، ولكنّهم لم يوفّروا له أقلّ معاني السلام، بل غدروا بسفيره مسلم بن عقيل رحمه الله .
ثمّ توجّه عليه السلام إلى كربلاء، ولم تتوفّر له أقل درجات الأمن و السلامة ، بل أبتلي بأعلى درجات الإرعاب و التخويف و التهديد والحرب التي هي ضدّ السلام الذي وجهّوه إليه.
في مثل هذا الموقف تأتي في الساحة أنت أيّها الشيعي المُوالي يها وتقول (اَلسَّلامُ عَلَی الْحُسَیْنِ).
یعني سيّدي: وإن كان القوم قد سلبوا منك السلام، وخوّفوك وخذلوك! أمّا أنا لست منهم بل أريد أن أسالمك فلن يتوجّه إليك من قبلي أيُّ خطر أبداً!
أصحاب الإمام الحسين عليه السلام حاولوا وبكلّ جدّ و جهد و موقف و سعي أن يبقى الإمام سالما من خطر الأعداء الحاقدين و ذلك خلال بذل أرواحهم الزكيّة (فوقوه بيض الظبى بالنحور البيض، و النبل بالوجوه الصباح) رغم أنّهم لم يتمكّنوا من أنّ يحافظوا على إمامهم لكثرة الأعداء، استشهدوا جميعاً.
و مع ذهابهم ضاق بالإمام ذرعا ًفأصيب الحبيب بأشد ّالضربات حتّى استشهد سلام الله صبراً عطشاناً غريباً ... واحسينا .
ثمّ نحن بعد مئات السنين فتحنا أعينا على الدنيا واطلعنا على واقعة كربلاء المؤلمة فقلنا (السلام على الحسين) هذا يعني: أنّني أريد أن أكون مسالماً معك يا أبا عبد الله ، وكلّ أملي أن لا يحصل خللٌ في حريمك ، فيا سيدي أطلب منك أن لا تقلق من تصرفاتي فأنا سوف أسعى لإصلاح نفسي كيلا أتورّط في مخالفتك سيّدي!
نحن نأمل أن يكون حياتنا (السلام على الحسين) لا أن يكون ذلك مجرّد لقلقة لسان فحسب فالکوفیون قالوا ( السلام على الحسين) ولكن لم يصدّق فعلُهم قولهم فصار سلامهم عداءً وأمانُهم خوفاً ،عاهدوا إمامهم فنقضوا العهد وحاربوه. الشاعر محتشم الكاشاني ره يقول: (از آب هم مضايقة كردن كوفيان ، خوش داشتن حرمت ميهمان كربلا) يعني: (حتّى من الماء ضايقوا الحسين ، حقيقةً احترموا ضيف كربلاء!!)
حينما نقول (اَلسَّلامُ عَلَی الْحُسَیْنِ) هل نحترم اخواننا و اخواتنا المعزّين ، وهل محبوا الحسين في أمان منّى هل الإمام الحسين نفسه في سلم منّي ؟ فلو تعاملتُ بشدّة مع عشّاق الحسين عليه السلام سواء عائلتي أو أصدقائي وأهل بلدي فهل يسوغ لي أن أقول (السلام على الحسين ... وعلى أصحاب الحسين)؟ كلا !
فيا عزيزي:
تعال معي ننتظم في مواقفنا و تصرّفاتها بحيث نجسد (السلام على الحسين) صدقاً ونكون حقيقة سبباً للسلام والإطمئنان و الأمن و الأمان لقتيل كربلاء وعشّاقة .
إبراهيم الأنصاري
ليلة 13 محرم 1441
الساعة 10:30 مساء.
أخت الرضا عليه السلام 20197 20193 20191 هـ - الموافق 03 يوليو 2019
إن فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام قد وصلت إلى مستوى من العبودية بحيث اكتسبت البصيرة من أمرها فارتقت إلى أعلى عليين ، إنّها فاطمية في موقفها وتبعيتها لرأي الإمام عليه السلام وشفاعتها في الجنّة ، وهي زينبية في رؤيتها المستقبلية فما رأت غير الجميل و في قيادتها وإمرتها لركب علوي موسوي إلى أرض قم بل إلى حضيرة القدس ! وإنّها رضوية في قبولها المطلق للقضاء الإلهي و قدره وفي هجرتها الى ديار الغربة ، و أخيرا هي مهدوية في مقصدها ومرادها وأمنيتها ... أمنية شائق يتمنى من مؤمن ومؤمنة ذكرا فحنّا.
قيام الفاطميين ! 20197 20193 20191 هـ - الموافق 03 يوليو 2019
قيام الفاطميين : في أجواء مليئة من الجور و الطغيان ، إنّها فاطمة الزهراء عليها السلام رمزاً للقيام وأسوة للقائم أرواحنا فداه ، وهل نجد هذه الخصلة الفاطمية إلا في "قم" المقدّسة التي ينطلق منها القائمون فقم مأوى الفاطميين وملجأ المجاهدين القائمين (فعن الصادق عليه السلام قال : إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم فإنه مأوى الفاطميين ومستراح المؤمنين وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبونا عنا ويبعدون منا وذلك مصلحة لهم لكيلا يعرفوا بولايتنا ويحقنوا بذلك دماؤهم وأموالهم وما أراد أحد بقم وأهله سوءا إلا أذله الله وأبعده من رحمته ) فلا تظنّن أنّ احتواء قم على مسجد جمكران أعني مسجد القائم من آل محمّد هي صدفة لا غير ! بل هذا ضمن التخطيط الإلهي المسبق والقضاء المبرم الذي قدّره الله سبحانه بيد الراضي بالقدر و القضاء الإمام أنيس النفوس عليه السلام ، فهو الذي سحب أخته المعصومة إلى هذه الأرض المقدّسة ثمّ قدّر بقائها هنا رمزاً لجدّته القائمة و ابنه القائم . وإليك حقيقة الرؤيا الصادقة التي رآها آية الله الأبطحي قدّس سرّه ونقلها لآية الله مهدوي كني قدّس سرّه من أنه رأى شعاع نور ممتد بين حرم السيدة المعصومة وجمكران والتي على أساسها تم افتتاح الطريق بين حرم السيدة ومسجد صاحب الزمان؟ وفي رواية " يخرج ناس من المشرق ويوطئون للمهدي سلطانه" وعن الإمام الكاظم عليه السلام "رَجُلٌ مِن اَهلِ قمُ يَدعوا الناسَ اِلَي الحقّ، يَجتَمِعُ مَعَهُ قَومٌ كَزُبَرِ الحديد، لا تَزِلُّهُمُ الرياحُ العواصِفُ، وَ لا يَمُلُّونَ مِنَ الحَربِ، و لا يُجبُنونَ، و عَلَى اللّهِ يَتَوَكَّلونَ، وَ العاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ" فلا تغفل !
فإنّ لك عند الله شأناً من الشأن ! 20197 20193 20191 هـ - الموافق 03 يوليو 2019
ما الذي ميّز فاطمة المعصومة عليها السلام ؟ وما السرّ في هذا الشأن العظيم لها؟ وأهمية زيارتها حيث ورد في الحديث :عن الإمام الرضا (عليه السَّلام) قال: (مِنْ زارها عارفاً بحقها فله الْجَنَّة) .السرّ يكمن في أمر واحد وهو : التبعية المحضة لإمام زمانها الإمام الرضا عليه السلام فشأنها شأن عقيلة بني هاشم حيث لم يكن يهمها شيء إلا إمامها الإمام الحسين عليه السلام ، فهي من الغداة إلى العشي كانت تسأل عن الإمام وكانت تفعل ما يريده الإمام لا في القول بل في الرأي و الرؤية ، بحث لا قيمة للنفس في قبال المولا وهذا ما أكّدت عليه زيارة الجامعة الكبيرة (ورَأْيي لَكُم تَبَعٌ وَنُصرَتي لَكُم مُعَدَّة) حيث لا قيمة للنفس في قبال الإمام عليه السلام ولذلك نقول (بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلى و مالي وأسرتي) . وفهذا درس عظيم ينبغي أن نتعلمه من هذه السيدة الجليلة سلام الله عليها.
ما أشبهها بنرجس ! 20197 20193 20191 هـ - الموافق 03 يوليو 2019
هناك علاقة وثيقة بين ابن عمران عليه السلام موسى و بين ابن موسى الكاظم عليه السلام الرضا وابن الحسن العسكري عليه السلام المهدي أو بالأحرى بين أم موسى و أم الرضا و أم المهدي ، فبداية الحلقة تبدا بأم موسى حينما جاءها الخطاب الإلهي (... أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)(القصص/7). و قد تخلّص من اليمّ ووصل إلى ساحل الأمان حيث جاء الأمر الإلهي مخاطباً اليَمّ(... فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ...)(طه/39). و بدأ الصراع مع طاغوت زمانه فرعون و تمكّن من أن يفضحه ويقضي عليه ليكون عبرة للفراعنة و الطواغيت ينطلق منها كلّ من أراد أن يصل إلى القرب الإلهي.
و في وسط الحلقة يأتى الخطاب لنجمة أم الإمام الرضا عليه السلام لتحافظ على ابنها فيَعبر من خلال الأمواج العاصية التي أوجدها بنو العباس من أجل تبتلع جميع من يركبها و من أجل القضاء على كلّ من يتوقّع ارتباطه بالمصلح ، فمرّ منها علي بن موسى بسلام و نجى من شرّ الطواغيت حيث تأسست مدرسة خراسان التّى أصبحت تقارع طواغيت العالم و على راسهم الشيطان الأكبر لتوصل المؤمنين إلى ساحل الأمان حيث التمهيد للمهدي المنتظر أرواحنا فداه . ولعلّ من أجل ذلك سميّت (تكتم) حيث كُلِّفت بكتمان ولدها عليٍّ حفاظاً عليه.
لاحظ هذه الرواية وتأمّل الشبه بينهما و بين نرجس (عَنْ عَلِيِّ بْنِ مِيثَمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أُمِّي تَقُولُ سَمِعْتُ نَجْمَةَ أُمَّ الرِّضَا عليه السلام تَقُولُ لَمَّا حَمَلْتُ بِابْنِي عَلِيٍ لَمْ أَشْعُرْ بِثِقْلِ الْحَمْلِ وَ كُنْتُ أَسْمَعُ فِي مَنَامِي تَسْبِيحاً وَ تَهْلِيلًا وَ تَمْجِيداً مِنْ بَطْنِي فَيُفْزِعُنِي ذَلِكَ وَ يَهُولُنِي فَإِذَا انْتَبَهْتُ لَمْ أَسْمَعْ شَيْئاً فَلَمَّا وَضَعْتُهُ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ رَافِعاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ كَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فَدَخَلَ إِلَيَّ أَبُوهُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليه السلام فَقَالَ لِي هَنِيئاً لَكِ يَا نَجْمَةُ كَرَامَةُ رَبِّكِ فَنَاوَلْتُهُ إِيَّاهُ فِي خِرْقَةٍ بَيْضَاءَ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْأَيْمَنِ وَ أَقَامَ فِي الْأَيْسَرِ وَ دَعَا بِمَاءِ الْفُرَاتِ فَحَنَّكَهُ بِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ خُذِيهِ فَإِنَّهُ بَقِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ.) عیون اخبار الرضا ع ج 1 ص 20
وأيضاً في الحديث (عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَرَّاءِ عَنْ مُعَتِّبٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ يُرَى لَهُ وَلَدٌ فَأَتَاهُ يَوْماً إِسْحَاقُ وَ مُحَمَّدٌ أَخَوَاهُ وَ أَبُو الْحَسَنِ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لَيْسَ بِعَرَبِيٍ فَجَاءَ غُلَامٌ سَقْلَابِيٌّ فَكَلَّمَهُ بِلِسَانِهِ فَذَهَبَ فَجَاءَ بِعَلِيٍّ عليه السلام ابْنِهِ فَقَالَ لِإِخْوَتِهِ هَذَا عَلِيٌّ ابْنِي فَضَمُّوهُ إِلَيْهِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَقَبَّلُوهُ ثُمَّ كَلَّمَ الْغُلَامَ بِلِسَانِهِ فَحَمَلَهُ فَذَهَبَ فَجَاءَ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ هَذَا إِبْرَاهِيمُ ابْنِي ثُمَّ كَلَّمَهُ بِكَلَامٍ فَحَمَلَهُ فَذَهَبَ فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو بِغُلَامٍ بَعْدَ غُلَامٍ وَ يُكَلِّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ خَمْسَةُ أَوْلَادٍ وَ الْغِلْمَانُ مُخْتَلِفُونَ فِي أَجْنَاسِهِمْ وَ أَلْسِنَتِهِمْ.) بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلى الله عليهم، ج1، ص: 334
وأمّا نهاية الحلقة فلها علاقة بأم الإمام الحجّة (نرجس) عليها السلام ، فحينما ولد الإمام الحجّة عجّل الله فرجه وصلى على رسول الله وأمير المؤمنين والائمة (عليهم السلام) واحدا واحدا حتى انتهى إلى أبيه، فناولنيه أبومحمد (عليه السلام) وقال: يا عمة رديه إلى امه حتى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم ان وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فتناوله الحسن (عليه السلام) منى والطير ترفرف على راسه، فصاح بطير منها فقال: احمله واحفظه ورده الينا في كل اربعين يوما، فتناوله الطير وطار به في جو السماء واتبعه الطير فسمعت ابا محمد (عليه السلام) يقول: استودعك الذى اودعته ام موسى فبكت نرجس فقال: اسكتى فان الرضاع محرم عليه الا من ثديك وسيعاد اليك كما رد موسى إلى امه، وذلك قول الله عزوجل: فرددناه إلى امه كى تقر عينها ولا تحزن ...قلت: وممّن؟ قال: «من نرجس»، قلت: فلست أرى بنرجس حملاً؟ قال: «يا عمّة إنّ مثلها كمثل أُمّ موسى لم يظهر حملها بها إلّا وقت ولادتها) ولا يخفى عليك أن الطير إنّما هو إشارة إلى جبرئيل عليه السلام .
وسيظهر الإمام إن شاء الله و أوّل من يبايعه بين الركن و المقام هو جبرئيل عليه السلام .
بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام
25 رجب الأصب 1437
الساعة 15:45
جوائز العيد : 20197 20193 20191 هـ - الموافق 07 يونيو 2019
لو كنّا نمتلك رؤية ملكوتية وكنّا نشاهد باطن الأشياء و حقائقها، فيا ترى ماذا كنّا نرى حين حلول شهر رمضان و حين انتهائه ؟
ماذا تشاهد حوالي كربلاء قبل يوم الأربعين بشهر ؟
الخيم تنصب ، المضائف تُجهّز ، المآتم تفرش ، السواء ينصب ، المواكب تَنقل ، الأعلام تُجهَّز ، الصوتيات تتهيأ القرّاء تستعدّ و هكذا ، كلّ ذلك لأهميّة ذلك اليوم و حيويته في بناء العقيدة و تحريك الأمّة نحو الهدف الأسمى الذي من أجله تحققت واقعة الطفّ .
قبل حلول شهر رمضان المبارك و بالتحديد من بداية شهر رجب الأصبّ هناك تغييرات في الملأ الأعلى، فوج من الملائكة نازل من سماء إلى سماء و فوج صاعد وهي في حالةٍ من الانتظار و الترقُّب و الإستعداد.
و كما أنّ الأسماك متعلّقة بالماء، فالملائكة حياتها رهينةٌ لوجودها و تعلّقها في السماوات العلى، فهي بحاجة إلى الروح الذي يُعطيها القوى كيما تتمكّن من النزول إلى السماء الدنيا ، وهذه المعيّة جعلتها تنتظر ذلك ، كلّ ذلك من أجل أن تصطحب معها من كلّ أمر يتعلّق بمستقبل العالم كلّه وبالبشرية بصورة خاصّة.
وقد ورد في الحديث عن زرارة عن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ...(والروح روح القدس وهو في فاطمة عليها السلام) ، وفي الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ؟ قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مع الأئمّة وهو من الملكوت) وقد اثبتنا ذلك في بحث سابق مع الشواهد الكثيرة .
إذن هي بانتظار ذلك الروح الكريم هناك، كما ورد في صلواتها (والكريمة عند الملأ الأعلى) لاحظ قوله تعالى: (يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ...)(النحل/2).
فلولا الروح لم تتمكن الملائكة من تحقيق هذا الإنجاز، ومن هنا صارت ليلة القدر ذات شأن عظيم بحيث عبّر سبحانه عنها (ما أدراك) والآية التالية (تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)(القدر/4). لا تعني المعيّة الصرفة بل تعني تبعية الملائكة للروح.
يبقى سؤال هنا وهو أنّ الشخص الذي يستقبل الروح أو بالأحرى يتلقى الروح وهو يصطحب معه الأمر، من هو ؟
يقول سبحانه (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ...)(غافر/15).
ولا شكّ أنّه هو الإنسان الكامل المعصوم وفي عصرنا هو ولي العصر عجّل الله فرجه ولذلك يُطلق عليه (صاحب الأمر) (ولي الأمر) حيث أنّ أمور الخلق خلال السنة تصل إليه وهو الذي له أن يمضيها أو يردّها.
وعلى ضوءه يكون لعيد الفطر شأن عظيم ومنزلة رفيعة كمنزلة الجنّة في يوم الجزاء حيث تُمنح فيه الجوائز و يتشخّص مصير الأشخاص و المجتمعات فتأمّل و لا تغفل .
مراحل نزول الروح : 20197 20193 20191 هـ - الموافق 28 مايو 2019
هناك أربعة مراحل لنزول الروح إلى سماوات المُلك ،أعني تلك السماوات السبع التي تقع تحت إشراف الكرسي الرفيع ، وهذه المراحل عبارة عن :
- ليلة القدر بدليل قوله تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)(القدر/4). وهذه المرحلة بدأت منذ ألف وأربعمائة سنة حيث كان و مازال الروح يتنزّل إلى السماء الدنيا في ليالي القدر خاصّة نظراً لأهميّة و خطورة ليلة القدر، ولهذا النزول ثمرةٌ عظيمة، ألا وهي تحقق شهر رمضان المبارك أعني روحانيته و رفعته و علوّ مقامه.
- قبل يوم العشرين من صفر المظفّر ، و بدأ هذا الأمر من حوالي ست سنوات حيث يتنزّل الروح قبل مجيء الأربعين بأيّام فتتنوّر الطرقُ المنتهية إلى كربلاء المقدّسة فتجذب قلوب المؤمنين إليها ، ونتيجة ذلك تحقق مراسيم الأربعين العظيمة وهي البشارة التي وردت في قوله تعالى ( و أُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ)(الصف/13).
- في أيّامنا هذه حيث نلاحظ بوضوح ومن دون أيّ شكّ و ترديد كيف يُؤيّد المؤمنون على عدّوهم الشيطان الأكبر ، وهو من آثار نزول الروح بشكل أكبر و مستوى أكثر قرباً للصالحين المجاهدين في سبيل الله وذلك تحقيقاً لقوله تعالى (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)(الصف/14). وستكون النتيجة الكبيرة لهذا التأييد هي حصول الكرامات على يد من هم أنصار الله ، و أيضاً المؤمنين بهم، و سيؤول ذلك إلى هلاك العدو الصهيوني إن شاء الله تعالى ... ونراه قريبا.
- حين التمهيد لظهور الإمام المهدي روحي فداه وحينئذٍ يتحقّق قوله تعالى (.. أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)(المجادلة/22). وفي هذه المرحلة من نزول الروح العرشي سوف يؤيد الحزب المنسوب إلى الله تعالى تأييداً خاصاً ، ومهمتهم حينئذٍ خطيرة للغاية حيث أنّهم مأذونون مأمورون من جانب ولي العصر وصاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه لتحقيق أمر آخر الزمان، و سيتواجدون بكثرة ربّما يبلغ عددهم مئات الملايين! وسوف يشكّلون مجموعات كبيرة جداً وبهم يتحقق الانتصار الكبير والفتح المبين فيتحقق ظهور الإمام المهدي روحي فداه.
ليلة 23 شهر رمضان 1440
الساعة 11:15
العبد
إبراهيم الأنصاري
التعاشق المقدّس ! 20197 20193 20191 هـ - الموافق 24 مايو 2019
ملفات مضغوطة ذات ثقل كبير تشتمل على آلاف الملفات نزلت من عالم الكلمات مرورا بعالم السور والآيات ملقاة على قلب الرسول محّمّد صلى الله عليه وآله في ليلة مباركة فظهرت في صورة مرئية بحروف مقروءة بلسان عربي مبين، ولكن لابد منها أن تُفتح وتنفك، فيا ترى من يتمكَّن من أن يفكّها؟
وهل لغير الله القدرة على ذلك (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(الملك/14). (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(هود/1). لاحظ العجب في صنع الله ، فهو تعالى خلق آدم ثمّ أضافه إلى نفسه( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)(الحجر/29). وجعله ممثلاً له، و بتعبير أفضل جعله خليفته في الأرض يستخلفه فيحقّق نواياه فهو مرآة صافية تنعكس فيه الأسماء و الصفات بحيث من أراد الله عليه أن يتوجّه إلى الإنسان غير المشوب بالأمور الدخيلة وهم المعصومون عليهم السلام ، وبذلك تنحل العقدة!
وأمّا الربّ يخاطب عبده بنحو يثير أحاسيسه و يهيّج عواطفه فيستنطقه ويريد من عبده أن يتبادل معه الإحساس ويظهر ما تلّقاه من الربّ بنفس الأسلوب الذي وصل إليه ، أسلوبا مفعماً بالحب و الرأفة و الحنان ! فما أجمل هذا التعاشق بين الربّ و عبده و بين الربّ وعبده ، بين حضيض الفقر و منتهى الغنى ، بين نهاية الذل و منتهى العزّ ! كذلك يتجلّى معنى الدعاء خصوصا في ليلة نزول القرآن أعني ليلة القدر.
هل لاحظت الأمهات وهن يتحدثن مع أطفالهنّ بلطافة و دلع و ينتظرن من الطفل في لحظتها أن ينطق بكلمات ذات نفس الإحساس و النبرات و نفس اللحن و السياق ولكن بتفصيل و إطناب !
هكذا يريد منك ربّك ، فهو يخاطبك في جملة واحدة:
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(فاطر/15).
وأنت تردّ عليه:
(سَيِّدي اَنَا الصَّغيرُ الَّذي رَبَّيْتَهُ ، وَ اَنَا الْجاهِلُ الَّذي عَلَّمْتَهُ ، وَ اَنَا الضّالُّ الَّذي هَدَيْتَهُ ، وَ اَنَا الْوَضيعُ الَّذي رَفَعْتَهُ ، وَ اَنَا الْخائِفُ الَّذي آمَنْتَهُ ، وَ الْجايِعُ الَّذي اَشْبَعْتَهُ ، وَ الْعَطْشانُ الَّذي اَرْوَيْتَهُ ، وَ الْعاري الَّذي كَسَوْتَهُ ، وَ الْفَقيرُ الَّذي اَغْنَيْتَهُ ، وَ الضَّعيفُ الَّذي قَوَّيْتَهُ ، وَ الذَّليلُ الَّذي اَعْزَزْتَهُ ، وَ السَّقيمُ الَّذي شَفَيْتَهُ ، وَ السّائِلُ الَّذي اَعْطَيْتَهُ ، وَ الْمُذْنِبُ الَّذي سَتَرْتَهُ ، وَ الْخاطِئُ الَّذي اَقَلْتَهُ ، وَ اَنَا الْقَليلُ الَّذي كَثَّرْتَهُ ، وَ الْمُسْتَضْعَفُ الَّذي نَصَرْتَهُ ، وَ اَنَا الطَّريدُ الَّذي آوَيْتَهُ).
يا حبيبي : هنا تعرّف على إمامك زين العابدين عليه السلام و تلطّفه بك أيها الفقير ، فالله سبحانه يوجّه الخطاب إلى وليّه الإمام عليه السلام خاصة ويلقّنه ويستمع إليه و يُصغي إلى ردّه من خلال الدعاء ، وأنا و أنت حيث حجبتنا الذنوب عن الربّ فلا محلّ لنا من الإعراب أبداً ، ولكن : بما أنّ إمامنا هو الذي سمح لنا بقراءة الدعاء فنتشبه به سلام الله عليه بكلمات لا تخصنّا فنتوافق معه فنكون من حزبه (واجعل دعائنا به مستجاباً)، وبهذه الحيله، الباري تعالى حيث يستمع إلى من حمده و أثناه حقيقة و أصالة سيستمع إلي أنا العاصي الكاذب أيضاً ويمنحني الجوائز الثمينة و الهدايا الجسيمة ، و كلّ هذه الإستحقاقات إنّما هي بسبب أنني نطقت بما نطق به إمامي لا غير . فيا لها من نعمة عظيمة ينبغي أن نستغلها قبل فوات الأوان.
أسئلكم الدعاء
إبراهيم الأنصاري
الجمعة 18 شهر رمضان 1440
الساعة 9:15 صباحاً
البحرين - المنامة – جبلة حبشي
ملكوت شهيد كربلاء 20197 20193 20191 هـ - الموافق 23 مايو 2019
إذا اكتمل الشيء واجتمعت صفاته جميعا حينئذٍ يتألّق و يبرز و يُبهر فيخضع الإنسان أمامه (وهو البهاء) فإذا اجتمعت و برزت جميع الصفات الإلهية من الجمال و القدرة والعلم و الكمال حينئذِ سوف تظهر صفة البهاء.
فالبهاء عبارة عن النور التام مع هيبةٍ ووقارٍ، وهو جامع الجمال والجلال، وهو مبدأ كافة الصفات، ومن هنا يعتلي على الصفات الأخرى فيقع في بدأ حديث الله ، ففي تفسير حروف(البسملة) روي في الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام: الباء بهاء اللّه والسين سناء اللّه والميم مجد اللّه.
هذا :
وأودّ أن أنقل لكم كلاما من سماحة آيت الله المرحوم الشيخ علي پهلوانی الطهراني قدّس سرّه وهو من الفقهاء العارفين المعاصرين وهو من تلامذة آية الله البروجردي و الإمام الخميني رضوان الله عليهما. وقد توفى يوم الخميس ۱۲ شوال ۱۴۲۵ وصلى على جنازته آية الله الشيخ محمد تقي بهجت ودفن في حرم المعصومة عليها السلام . وقد كان يحضر دروس العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه العرفانية و التفسيرية فيقول:
سألت العلامّة الطباطبائي ره ما هو الإسم الأعظم الإلهي؟
قال: (البهاء) و إنّ البهاء الوارد في دعاء السحر يعني التألق واللمعان ولا يتجلى ذلك إلا بعد أن تجتمع كافة صفاته تعالى ، ثمّ قال البهاء هو : (كلّ ما عند الله) وهو :
(سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين عليه السلام) يقول الشيخ سألته كيف يكون ذلك؟
قال: إنّ سيد الشهداء عليه السلام أعطى كل ما لديه لله تعالى (تركت الخلق طرّاً في هواكا) فكافأه ربّه وأعطاه كلّ ما لديه فصار البهاء هو الوجود المبارك لسید الشهداء الحسين بن علي عليه السلام.
ثمّ قال العلّامة الطباطبائي: إنّ دعاء البهاء (السحر) من الأدعية القليلة التّي لا طلب فيها للحور و القصور، بدايتها (اللهم) و نهايتها (يا الله) .
فبا عزيزي:
عليك الاهتمام بدعاء البهاء و قراءته بتأمّل و تدبّر و معرفة ، ولا تنسى شهيد كربلاء في كلّ الأحوال ، يقول الشهيد السعيد بهشتي ره : عندما كانت لدي حاجة أريد تحققها أتوّجه نحو كربلاء و أخاطب سيّدي أبا عبد الله (يا حسين) مأة مرة فتنقضي بمشيئة الله.
إبراهيم الأنصاري
17 شهر رمضان 1440
الساعة الرابعة و الربع صباحا
البحرين – المنامة – جبلة حبشي
روائع السلسلة الذهبية (الحلقة 2) 20197 20193 20191 هـ - الموافق 05 مايو 2019
التوحيد في الخلافة هو فرع من التوحيد في عبادة الله تعالى و يعني أنّ كلّ من أراد أن يُخلص في عبادته تعالى ينبغي أن ينطلق إليه من خلال معرفة أهل البيت عليه السلام (المخلصين في توحيد الله) ولذلك ورد (بكم عُبد الله) ، وكلّ من أراد أطاعة الله تعالى ينبغي أن يلتزم بإطاعة خلفاء الله بنحو عام و خليفة الله المتواجد فعلا بنحو خاص وإلا فهو في عداد الجاهلية و في الحديث (من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية) نلاحظ التأكيد على الإمام الحاضر فعلا لا الإمامة بنحو عام ، وهذا أعني تبعية الإمام الحاضر إمتحان صعب جداً قلّ من نجح فيه .
وقد سبق وأن امتحن به إبليس حيث طلب منه سبحانه أن يسجد لخصوص آدم عليه السلام فلم يسجد، رغم أنّه كان يعرف أهل البيت عليهم السلام حيث قال الله تعالى إنّي جاعل في الأرض خليفة و جرّاء ذلك عوقب بشدّة فطرد من رحمة الله تعالى (قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا)(الإسراء/63)
الركب الرضوي:
أكثر أبعاد حديث سلسلة الذهب يكمن في فعل الإمام و الظرف الخاص الذي صدر فيه الفعل ، علما بأنّه عليه السلام كان بصدد تبيين موضوع ذات أهميّة فائقة فكيف يمكننا تفسيرها من دون ملاحظة القرائن الحالية التّي تحيط بالكلمة ؟
ويعزز ذلك ما ورد في موقفه مع دعبل الخزاعي حينما أنشد تائيته المعروفة فبكي الإمام في موضع و قلّب كفيه في موضع آخر و وضع يده على رأسه وقام ودعا بفرج الإمام حينما سمع بيتاً يتعلّق بالحجّة عجل الله فرجه، وأخيرا أهدى عليه السلام دعبل قميصاً خزاً أخضر وخاتمًًاً فصُّه عقيق مع صرّة فيها أموال.
وربّما التقية في نيسابور جعلت الإمام يبيّن ما في ضميره من خلال الأفعال لا الأقوال ، وعليه نعرف لماذا صدر الحديث في نيسابور، لأنّ المهمّة بدأت من هذه المدينة التّي هي المدخل لأرض خراسان الذي هو الحصن الحصين في آخر الزمان حيث تتطاير الفتن بشتّى المظاهر ، المادية منها و المعنوية في العالم كلّه، خصوصاً فتن الشياطين (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ) وقد أنذر سبحانه و تعالى بذلك في قوله (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ...)(الدخان/10-13) وهي قبل القيامة ولذلك قال (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ)(الدخان/16). فأراد الإمام أن يجرّ الأمّة لا أهالي نيسابور فحسب! إلى المستقبل، ولذلك لم ينطق بهذه الكلمة إلا في حال الخروج من مدينة نيسابور متوجّها نحو مركز خراسان ، وكان بصدد بيان أمر آخر وهو الأهمّ كان يريد القول بأنّ الخلاص من العذاب الأليم لا يتم إلا بالإلتحاق بركب الصالحين (ألحقني بالصالحين) وهو ركب محمّد وآله ، ولذلك قالها وهو راكب ولم ينزل من مركبه وكان في حال المشيء ، قال(بشروطها) وهم الأئمة الأطهار عليهم السلام (وأنّا من شروطها) وهو الإمام الثامن الضامن المنجي والد المهدي عجل الله فرجه فهو معروف بابن الرضا عليه السلام بل جميع أولاد الإمام الرضا عليهم السلام المعصومون معروفون بذلك.
ولعل هذا الموقف أعني (ثم أرخى الستر على القبّة وسار) كناية عن غيبة الإمام الثاني عشر روحي فداه حيث انتشار الفتن كقطع الليل المظلم ، فتأمّل تعرف.
هذا: وقد فصّل الإمام الهادي عليه السلام مواقف جدّه في (الجامعة الكبيرة) وحصر الحلّ فيهم وقال (اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي) والشفاعة غير منحصرة بالآخرة بل نحتاج إليها في كل زمان و مكان (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ)(هود/43). فلا أمان إلا بركوب السفينة المحمّدية الرضوية (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الفُلْكِ الجَارِيَةِ في اللُّجَجِ الغَامِرَةِ، يَأْمَنُ مَنْ رَكِبَها ويَغْرَقُ مَنْ تَرَكَها، المُتَقَدِّمُ لَهُم مارِقٌ والمُتَأخِّرُ عَنهُم زَاهِقٌ واللاَّزِمُ لَهُم لاحِقٌ.)
مشهد المقدّسة
29 شعبان 1440
الساعة السابعة صباحاً
إبراهيم الأنصاري
روائع السلسلة الذهبية (الحلقة 1) 20197 20193 20191 هـ - الموافق 05 مايو 2019
الزيارة الجامعة الكبيرة من أفضل الزيارات من حيث السند و المحتوى حيث بيّن فيها ابن الرضا الإمام الهادي عليه السلام شأن الإمام وصفاته ودوره في التكوين و التشريع تفصيلا، وهو قول بليغ كامل، لم يُبق جانباً من جوانب الولاية إلا بيّنها، بدأت الزيارة بالتكبيرات المائة بالترتيب الخاص وفي بدايات الزيارة ركّز على الشهادة بالوحدانية حيث قال (اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ كَما شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ وَشَهِدَتْ لَهُ مَلائِكَتُهُ وَاُولُو الْعِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ، لا اِلـهَ اِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكيمُ) ثمّ غمر في بيان شأن الإمامة و الولاية بكلّ صراحة و من دون أي نوع من التقيّة، وقال (وَالُْمخْلِصينَ فـى تَوْحيدِ اللهِ) وأيضاً (وَاَرْكاناً لِتَوْحيدِهِ)( مَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ) لاحظ التركيز على التوحيد في مقاطع الزيارة وفي النهاية أخذنا إلى النتيجة المهمّة الذي تتمثل في التكليف الرئيس و هي (مَنْ اَطاعَكُمْ فَقَدْ اَطاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصاكُمْ فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ، وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ) و قد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام (بِنا عُبِدَالله، وَ بِنا عُرِفَ اللهُ، وَ بِنا وُحِّدَ اللهُ تَبارَك وَ تَعالی).
ولو تعمقت في الزيارة ثم لاحظت السلسة الذهبية المختصرة التي صدرت من الإمام الرضا عليه السلام في مدينة نيسابور لعرفت أنّهما حقيقة واحدة في لباسين مختلفين، لباس التفصيل حيث لا تقيّة و لباس الإجمال و التلخيص رغم التبيين الكامل من خلال استغلال الظروف المحيطة و أيضاً من خلال دلالة الفعل الذي هو حجّة مثل حجيّة قول الإمام عليه السلام.
لاحظ السلسة الذهبية التي أفصح بها الإمام الرضا عليه السلام عند مروره بمدينة نيسابور أثناء مسيره إلى مرو وعندما استشعروا أهل المدينة بوصوله إلي قرب ديارهم خرجوا من البيوت و أحاطوا بقافلته، و اجتمعوا حول محمله، وقالوا: (يابن رسول الله نريد أن نأخذ من علمك و نسمع كلامك) نقلها الشيخ الصدوق باسناده عن إسحاق بن راهويه، قال: لما وافى أبو الحسن الرضا بنيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك ؟ وكان قد قعد في العمارية، فأطلع رأسه وقال: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين ابن علي بن أبي طالب يقول: سمعت أبي علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله جل جلاله يقول: كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل أمن من عذابي. قال: فلما مرت الراحلة نادانا. بشروطها وأنا من شروطها) التوحيد الشيخ صدوق، الجزء:1، صفحة:25.
(ثم أرخى الستر على القبة وسار فعد أهل المحابر و الدفتر الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين الفا) كشف الغمة ج 2/ 307.
كلمة التوحيد:
كلمة التوحيد هي الكلمة الطيّبة التي هي كشجرة طيبة قال تعالى (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)(إبراهيم/24).فالله سبحانه ليس له فروع أبداً تعالى عن ذلك، و لكن شجرة لا إله الا الله التي هي كلمة التوحيد لها فروع وأغصان وقد ذكروا بأنّها (التوحيد في الذات ، التوحيد في الصفات، التوحيد في الأفعال، و التوحيد في العبادة) وأيضاً التوحيد في في (النظام الإلهي) هذه كلّها لله تعالى ، ولكنّ الإمام الرضا عليه السلام أراد أن يضيف توحيداً آخر قد جهله الناس أو تغافلوا عنه ، وهذا الفرع من التوحيد له ارتباط وثيق و مباشر بالإمام عليه السلام (التوحيد في الخلافة) وهو ما جاء في الزيارة الجامعة (من أطاعكم فقد أطاع الله) وهذا التوحيد هو الحصن الحصين و هو الشرط الرئيس للتخلص من العذاب الأليم ، فهؤلاء القوم في نيسابور كانوا مسلمين وهم من محبي أهل البيت عليهم السلام ولكن لم يدركوا معنى الإطاعة ، كانوا يريدون من الإمام أن يعلمهم شيئاً من الدين لا غير .
هنا نشاهد أنّه عليه السلام جرّهم إلى أمر ذات أهميّة قصوى ولكن لا بالقول فحسب بل بالفعل و الموقف .
فهنا أسألة
تطرح وهي :
- لماذا في نيسابور لا في المدينة؟
- لماذا حين الخروج لا حين الدخول؟
- لماذا لم ينزل من المركب.
- ولماذا في حال المشيء؟
- وأسألة أخرى هي مفاتيح لفتح مخازن أسرار هذا الموقف العظيم .. سنتطرق إليها في الحلقة المقبلة إن شاء الله .
إبراهيم الأنصاري
مشهد المقدّسة
21 شعبان 1440
الساعة 12:30
من أجل العبودية: 20197 20193 20191 هـ - الموافق 08 مارس 2019
هل يبقى شك وترديد بالنسبة إلى ضرورة دولة يحكمها المعصوم يعمل حسب معرفته لباطن الأشياء، و يتعامل مع الأشخاص و الأشياء تعاملا خِضرياً، وذلك بعد أن نشاهد العشوائية و الخربطة في عصر الغيبة لا في مجالات الحياة فحسب بل حتى على صعيد العبادات التّي قد خلقنا الله لأجلها، فهل يمكن لواحد منّا وهو يعيش في عصر الغيبة أن يدّعيَ أنّه يؤدّي التكاليف الإلهية بالفعل، تلك التي أوجبها الله تعالى على العباد؟ وهل سنرتقي إلى مقام القرب بهذه الأعمال ولا ندري هل هي مما أمر الله بها؟
وماذا عن المحرّمات؟ فربّما نرتكبها ونحن لا نعلم بذلك؟
اللهم إلا أن نثيب على الإطاعة العامّة لله تعالى أعني الانقياد لا على أداء كلّ تكليف على حدة، وهذا النوع من الثواب لا يرتقي بالإنسان إلى الدرجات العلى!
فهذا اليوم هل هو بداية شهر رجب 1440 أم نهاية شهر جمادى الثانية؟ وماذا عن المناسبات، مثل الاحتفال بمولد أمير المؤمنين عليه السلام و المبعث النبوي! وماذا عن أيام البيض!
هذا: والمشكلة تنجرّ إلى شهر شعبان أيضاً ومناسباته وإحياء ليلة النصف منه الذي يعادل ليلة القدر! والمصيبة العظمى في صيام شهر رمضان وليالي القدر ويوم العيد الذي يحرم فيه الصيام!
كما أنّ قواعد عبادة الحجّ التي تعدّ من أهمّ العبادات تكون متزلزلةً في عصر الغيبة ، فنحن ملزمون بقرار الآخرين ممن لا يهمّه معتقداتنا ولا مناسكنا!
ناهيك عن معرفة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة .
فهل يبقى في عصر فقدان الماء المعين، دينٌ يطمئن به يمكننا أن نحتج به يوم نبعث بين يدي ربّ العالمين؟
لا تنسى أيّها العزيز، أنا وأنت المقصّرون في ذلك حيث اكتفينا بالظواهر و لم نجهّز أنفسنا بعدُ لتقبّل بواطن الأعمال، فلن نستطيع مع الإمام المهدي عجّل الله فرجه صبراً!
وما عسانا أن نفعل إذن .
أقولها بكلّ حزم و جدّ: ينبغي أن يكون جلّ اهتمامنا و هاجسنا و أعمالنا منصبّاً في القضيّة المهمّة وهي ظهور الإمام الحاضر الغائب عجل الله فرجه، لنشاهد تلك الطلعة الرشيدة أوّلا و نتبع ما يمليه علينا ثانياً لعل الله يرحمنا فإنّه الغفور الرحيم.
الجمعة
إبراهيم الأنصاري
ا رجب أو نهاية جمادى الثانية 1440
الساعة 10:30 صباحاً
البحرين - جبلة حبشي
أسرار الكوثر 20197 20193 20191 هـ - الموافق 15 فبراير 2019
بسم الله الرحمن الرحيم ، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ،إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ .
إنّ الكوثر هو عطاء خاص للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم لا لغيره من الأنبياء و الأولياء وهو من ناحية المفهوم يعني الخير الكثير الوسيع الشامل ولكن يا ترى ما هو هذا العطاء؟
من الضروري أن نتجول في القرآن الكريم لنعثر على مصداق هذا العطاء الربّاني، ولا داعي لسرد الآيات المتضمنّة لكلمة العطاء جميعاً بل نركّز على سورة واحدة مشتملة على آية فيها عطاء لنبينّا محمّد صلى الله عليه وآله و هو المورد الوحيد الذي يتناسب مع سورة الكوثر وهو سوة الضحى حيث يقول سبحانه (و لسوف يعطيك ربّك فترضى) فهذا المفهوم بعينه يعادل (إنّا أعطيناك الكوثر).
والأحاديث رغم تعددها تشير إلى حقيقة واحدة وهي أنّه عطاء من جنس النور العرشي فبعضها تقول بأنّها هي (الجنة) وبعضها تقول (وهى والله الشفاعة) وعن الصادق (عليه السلام): رضا جدّى ان لا يبقى في النار موحّد .
هذا : وعلماً بأنّ القرآن قد عبّر عن رسول الله صلى الله عليه وآله بأنّه هو الشمس ، وأمير المؤمنين عليه السلام هو القمر، فالكوثر هو نور الشمس (و الشمس وضحاها).
ومن هذا المنطلق نشاهد الشبه الكبير بين السورتين من أوجه مختلفة ، فكلاهما تشتملان على التبشير و الوعد و العطاء الإلهي الخاص بالرسول ، كما أنّهما يدلان على أنّ هذا العطاء أمر قيّم عظيم ، و هو نور ربّاني سماوي لطيف قد استوعب كلّ مكان و كلّ زمان ليستفيد منه جميع من و ما في الكون.
والجدير بالذكر أنّه لو فرشنا سورة الضحى في الزمان (وهو أسلوب من اساليب فهم القرآن) لشاهدنا بدايتها و نهايتها وبذلك سوف ينفتح لنا باب في معرفة حوادث التأريخ.
الضحى ، هو عصر رسول الله صلى الله عليه وآله حيث انتشر نوره في الجزيرة العربية و العالم كلّه ثم بمجرّد ارتحاله استولي الليل الأليل على الأمّة (والليل إذا سجى) ولكن الله سبحانه يسلّي نبيّه الحرسص على الأمّة بقوله (ما ودعك ربّك و ما قلى) فيقول (للآخرة ) التّي هي الضحى و نور الكوثر خير لك من (الأولى) وهي الدنيا المظلمة ، (ولسوف يعطيك ربّك فترضى) وهذا سيحافظ على خطّ الرسالة المحمّدية و يحتضن يتامى آل محمد إلى ظهور صاحبهم أعني الحجّة بن الحسن المهدي روحي فداه . وقوله (أ لم يجدك يتيما فآوى إلى آخره ) أيضاً له علاقة بذلك العطاء الرباني العظيم .
ثمّ لو طلبتم منّي أن أذكر شيئاً يشبه الكوثر أقول : إنّه هو (اليد البيضاء) الذي يعدّ من معاجز موسى على نبينا وآله وعليه السلام (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)(النمل/12). حيث كانت له آثار عظيمة جداً سواء من ناحية العذاب لفرعون وملأه أو النعمة لأتباع موسى من بني إسرائيل.
ولا تظنّن بأن سور القرآن لها مفهوم واحد فقط بل هي ذات أبعاد مختلفة نذكر جانبين من سورة الكوثر فقط :
الجانب الأوّل: مقايستها مع غيرها من السور و الآيات. ومن الآيات التي تعدّ من مظاهر سورة الكوثر الآيات الثلاث من سورة الإسراء حيث قال (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)(الإسراء/79). تأمّل في تلك النافلة التي تقام في الليل وعلاقتها بذلك المقام الذي يغبطه الأولون و الآخرون .
ثمّ خاطب سبحانه نبيّه المكّرم (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا)(الإسراء/80). وهو المعراج بعينه الذي تمّ بغرض الإتيان بتفاحة الفردوس وهي المنصورة في السماء فاطمة في الأرض، وبذلك أصبح الشانئ أبتراً (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(الإسراء/81). فالآيات هي نفس سورة الكوثر مفهوماً.
الجانب الثاني: من ناحية السير و السلوك العرفاني ، السورة المسير الصحيح فبعد العطاء للكوثر الذي هو موهبة عظيمة ربّانية جاء الأمر بالصلاة(فصلّ لربّك) ولا يخفى أنّ هذه الصلاة تقام من أجل الكوثر وكذلك (وانحر) الذي هو رفع اليد في التكبير والقنوت.
والسورة التّي تضاهي هذه هي سورة الأعلى حيث قال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)(الأعلى/14). (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)(الأعلى/15). فبعد التزكية ينبغي التركيز على اسم الرب و هم أهل البيت عليهم السلام ، ولذلك جاء في سورة النور(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ)(النور/36). وأيضاً (رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)(النور/37). ومن الواضح أنّ هناك فرق بين الآيتين وإن كانتا في الحقيقة متداخلتين حيث من ذكر إسم الله فقد ذكر الله ..تأمّل. فالفلاح يتحقق بالصلاة في محضر الربّ بعد التزكية.
و الجدير بالذكر ما ورد في صلاة الزيارة ، فبعد الزيارة التي هو ذكر اسم الله نصلّي صلاتها.
فمبدئياً ينبغي لنا التزكية و التطهير ومن ثمّ دخول حرم الأئمّة عليهم السلام ، ولذلك نقول (اللهم اغفر لي وارحمني و تب علي إنّك أنت التواب الرحيم) حيث أنّ هنا هو فناء للصعود و الرفعة (في بيوت أذن الله أن ترفع) فهم عليهم السلام العرشيون حقّاً كما أنّ فاطمة من فيوضات الجنان وهي تفاحة الفردوس نزلت إلى الأرض لتمسك بيدنا فتصعد بنا إلى الملأ الأعلى،و التعبير بحبل الله و الحبل المتين يدلّ على ذلك .
من هذا المنطلق ورد (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)(الأحزاب/43). هذه هي الرحمة الرحيمية التي تعرج بالإنسان إلى الأعلى حتّى توصله إلى الجنّة (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)(الأحزاب/44).
فالسلوك إلى الأعلى لا يتمّ إلا بهم عليهم السلام وأمّا غيرهم فلا يزيدون أتباعهم إلا خسراناً و ضياعا (إنّ شانئك هو الأبتر)
هذا: وللكوثر مواطن ثلاثة في أزمنة ثلاثة ألا وهي: السرّ، البروز، الظهور سوف نتطرّق إليها في مناسبة أخرى إن شاء الله.
إبراهيم الأنصاري
مشهد المقدّسة
8 جمادى الثانية 1440
الساعة السابعة صباحاً
سر فاطمي 20197 20193 20191 هـ - الموافق 09 فبراير 2019
علماً بأنّ سورة الإسراء قد بدأت بتبيين السير في ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لرؤية الآيات الكبرى الإلهيّة ، ننطلق إلى الآيات الأربعة (97 -82) لنستخرج منها كنزاً فاطمياً خفي علينا
نحن المقصّرين في حقّها سلام الله عليها .
قال تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)(الإسراء/79). فالخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وآله حيث أمره سبحانه بالتيقّظ و السهر وأداء النافلة من أجل الوصول إلى المقام الذي يحمده عليه جميع الخلائق و هو مقام الشفاعة الكبرى كما دلت عليه الأحاديث الكثيرة من الفريقين وهو المقام الذي يغبطه به الأولون والآخرون ، و موقع هذا المقام في نهاية المطاف وهو آخر منزل من منازل القيامة الكبرى حيث ينطلق أهل الجنّة إلى الجنان و أهل النار إلى جهنم .
ثمّ قال:(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا)(الإسراء/80).
هذه تتحقق قبل أن تغلق أبواب الجنان فتغلق الأبواب (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) .
وذلك لأنّ المطلوب من رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدخل في ساحة صدق محض ثمّ يخرج منها بيدٍ مليئةٍ ، يحمل معه النصر المؤزّر وهي السلطة الناصرة له تكويناً حيث الغلبة على من سواه مهما بلغ من القوّة، و لذلك يخاطبه سبحانه بكلّ جدّ (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(الإسراء/81).
فهنا سبيل واحد ولكن له جانبان أحدهما يتم من خلال صلوة الليل و الآخر من خلال العزلة من جميع المتعلقات الدنيوية الكاذبة و الدخول في جوّ صادق بالإطلاق ثمّ الخروج منه، ألا و هو (المعراج) بعينه بعد (الإسراء).
وقوله تعالى (واجعل لي من لدنك) يدلّ على النعمّة الخاصة لرسول الله لا غيره، وقد ورد في الحديث المعراجي (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص ...ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ كُلْهَا قُلْتُ [يَا] حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ هَدِيَّةُ رَبِّي تُؤْكَلُ قَالَ نَعَمْ قَدْ أُمِرْتَ بِأَكْلِهَا فَأَفْلَقْتُهَا فَرَأَيْتُ مِنْهَا نُوراً سَاطِعاً فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ قَالَ كُلْ فَإِنَّ ذَلِكَ نُورُ الْمَنْصُورَةِ فَاطِمَةَ قُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ وَ مَنِ الْمَنْصُورَةُ قَالَ جَارِيَةٌ تَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ وَ اسْمُهَا فِي السَّمَاءِ الْمَنْصُورَةُ ... وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ بِنَصْرِ [ينصر] فَاطِمَةَ عليها السلام .) تفسير فرات الكوفي ؛ ص321 و322
هذه الآية المباركة هي بمنزلة قوله تعالى (إنّا أعطيناك الكوثر) كما أنّ قوله تعالى في الآية التي بعدها مباشرة (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(الإسراء/81). بمنزلة قوله تعالى (إنّ شانئك هو الأبتر) فالباطل لا محالة زهوق لا يستمرّ أبداً .
الجدير بالذكر أن الآيات فيها طلب من الله تعالى وذلك في جوف الليل و في حال التهجد وفي سورة الكوثر يقول (إنّا أعطيناك الكوثر) فاتّضح أن الكوثر الذي هو الخير الكثير الفاطمي له مصاديق متنوعّة ، منها (سلطاناً نصيراً) الذي جاء من لدن ربّ العالمين في العزلة المعراجيّة وقد ورد في الحديث (لما عُرج به الى السماء وتناول التفاحة التي تحولت الى نطفة فاطمة الزهراء في صلبه وهبط الى الأرض لم يواقع خديجة عليها السلام ألا بعد أربعين يوماً ... الخ) . ولا يخفى عليك أنّ هناك مصاديق أخرى للكوثر سنتطرّق إليها في محلّها إن شاء الله ... تأمّل حبيبي و اغتنم !
هذا: ثمّ بعد اكتساب النور الفاطمي يقول: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا)(الإسراء/82).
ندعوا الله أن يحقق النصر الفاطمي المؤزر عاجلا بظهور ابن الزهراء المهدي المنتظر أرواحنا فداه .
مشهد المقدّسة
يوم استشهاد المنصورة فاطمة عليها السلام
3 جمادى الثانية 1440
الساعة السابعة صباحاً.
التعرض للنفحات المهدوية (الحلقة الثانية) 20197 20193 20191 هـ - الموافق 04 يناير 2019
أقول :
إنّ الله سبحانه هو الذي يجيب على هذا السؤال في قوله :(أقم الصلاة لذكري) فماذا يعني الذكر؟
للذكر درجات ، أقلها المعنى المعروف و لكن ليس لهذا المعنى ثمرة كبيرة ، الدرجة العالية للذكر هي أن ينطلق الإنسان إلى (المحضر الربوبي) فذكرُ الله يعني أن يرى المؤمن نفسه بين يدي ربّه كأنّه يراه .
تقول لصديقك أنا عشر سنوات أذكرك و لا أنساك يقول لك :
بدلاً من أن تذكرني ، لماذا لم تزرني و لو مرة واحدة، ليتحقق الذكر من خلال اللقاء الحضوري؟
والمصداق البارز للذكر وهو الحضور يتحقق في الصلاة فهو أفضل آلية للقاء المعشوق و الحضور في محضره (أقم الصلاة لذكري) .
هذا و للحضور لدى المعشوق آثار كبيرة وثمرات عظيمة فمثلا كلما تزور عالماً ربّانياً تلاحظ أنّ علم العالم يجري إليك و صفاته تنتشر نحوك وأخلاقه وحالاته تترشح إلى روحك. فكيف بالحضور لدى ربّ العالمين ففيه بركات عظيمة لا يعلمها إلا الله تعالى .
ولو لاحظت آية النور لرأيت فيها آيتين إحداها قد ورد فيها (ذكر الله) وهي قوله :(رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)(النور/37). والأخرى (ذكر اسم الله) و هي: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ)(النور/36).
وقد ورد في الحديث عن أبي عبد الله: نحن والله الأسماء الحسنى.
فذكر أهل البيت هو ذكر اسم الله تعالى (محضر أهل البيت عليهم السلام) فتعال معي لننطلق إلى الطريق الذي يوصلنا إلى محضر أهل البيت عليهم السلام ، فحينئذٍ ليس من الضروري أن تشاهد جسم الإمام عليه السلام أو تسمع صوته، بل ينبغي أن ترفع الموانع الروحية كي تحس بأنّك في محضر الإمام المهدي روحي فداه، وتنسجم مع روح الإمام ليتحقق لديك مفهوم (أرواحكم في الأرواح) ففي عالم الأرواح لا صوت و لا صورة ولا شكل و لا رسم بل المقام أجلّ و أعظم من ذلك، كتواجدك في محضر الشمس من دون أن ترى الشمس، ففي فصل الشتاء حينما تحسّ بالبرد تذهب إلى خارج الغرفة فتجلس في محضر الشمس، فكل لحظة و أنت معرّض نفسك لضوء الشمس تحسّ بأنّ حرارتها قد أثّرت في وجودك بحيث تدرك ذلك وكأنّك تسبح في نورها، فالآثار الإيجابية لنور الشمس هي أدلّ دليل على أنّك متواجد في محضرها، فلا تبحث حينئذٍ عن الشمس و لا تفكّر في رؤيتها .
هذا : وحينما تكون في محضر الإمام المهدي عجّل الله فرجه فكأنّك متواجد في محضر ربّك سبحانه ، إحساسك حينئذٍ لا يوصف ، تشاهد بكلّ وجودك بأنّ التزكية و الطهارة تتنزّل عليك كالمطر فتزيل منك الأرجاس و الأنجاس و التعلقات المادية ، فتعيش في حالة روحانية تشعر بالتغييرات التي تحصل في وجودك و أنت في محضر الإمام فتتحوّل من حالة سوء إلى أحسن حال وتتحقق مصداقية الدعاء(غيّر سوء حالنا إلى حسن حال).
كما أنّك تشعر بالفيوضات الربانية التي تتوجّه إليك فتتحقق فيك بعد أن تزال الحجب الظلمانية عنك ، لا ترى الله ولكن تحس بألوهية الله لا ترى المهدي و لكن تدرك هداية المهدي ، كلّ ذلك يتمّ في الصلاة ، ولذلك تشتاق إلى تطويل الصلاة ليطول تواجدك في محضر الله و محضر الإمام المهدي روحي فداه .
فذكر اسم الله هي النافذة التي من خلالها نقع في محضر الله كالنافذة التي تفتحها كي يصل إليك نور الشمس ، وكونك في محضر النافذة هو نفس كونك في محضر نور الشمس لا غير، فكلاهما يقعان في مسير واحد .
فالمسير للوصول إلى الله هم أهل البيت عليهم السلام بحيث أنّ الرسل ايضا لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا من خلال أهل بيت العصمة و الطهارة عليهم السلام .
ندعوا الله أن يمنحنا هذه النعمة العظيمة التي لا نعمة أعظم منها بحق ولي النعمة إمامنا صاحب الأمر عجّل الله فرجه .
التعرض للنفحات المهدوية (الحلقة الأولى) 20197 20193 20191 هـ - الموافق 03 يناير 2019
التعرض للنفحات المهدوية
كم من القصص التّي نقلت إلينا عمّن حظي بلقاء صاحب الأمر الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف، وهو أمر عظيم وأمنية كلّ من يواليهم عليهم السلام، ندعوه سبحانه أن يوفّقنا لذلك و لو بنظرة واحدة.
وعند ملاحظة هذه الحكايات نشاهد أنّ الذين تشرفوا بلقائه عليه السلام هم على صنفين:
العوام من الناس والخواص منهم أعني العلماء.
فعند التركيز في طلبهم نشاهد أنّ العامّة لا يطلبون من إمامهم إلا أموراً تتعلق بأجسامهم كالشفاء من الأمراض و طلب الأولاد و أيضاً مثل التوفيق لحج بيت الله الحرام و ما شابه ذلك مع أنّ أضرحة الأئمة عليهم السلام بل أولادهم و أحفادهم وكذلك الأولياء الصالحون هي الكفيلة لمثل هذه المطالب فهي ملجأ لشيعتهم، والكرامات التي صدرت منهم لا تعدّ و لا تُحصى! فلماذا إذن الإصرار على لقاء الإمام عجّل الله فرجه.
وأمّا العلماء والفقهاء فينبغي أن يطلبوا من إمامهم أموراً معنوية و حقائق علمية و حلّ المعضلات وغوامض الدين!
ولكن المفاجأة الكبرى هي أنّنا لا نلاحظ شيئاً من هذه الأمور في طلباتهم وأكثرها نفس الحاجات التي يسعى عامّة الناس في الحصول عليها من إمامهم الغائب، اللهم إلا القليل منهم كأبي الرمّانة (الشيخ محمد بن عيسى رحمه الله) حيث التجأ إلى الإمام في أمر كان ذا أهميّة كبيرة يختص بكيان المذهب و الأمّة في البحرين .
وهناك البعض من هؤلاء العلماء قد ركزّ على أمور تتعلق بظواهر الشريعة حكماً أو مصداقاُ!
هل قرأت قصّة السيد مهدي بحر العلوم رحمه الله في مسجد السهلــة حيث استمع إلى مناجاة الإمام متلذذاً ثمّ لم يُنقل عنه أنّه طلب شيئاً ما من علومه اللدنية من إمامه عجل الله فرجه.
هذا:
ونحن لا نريد إنكار موضوع التشرّف بلقاء الإمام المهدي عجّل الله فرجه أبداً و لا نريد أن ننكر ما نقله القوم في كتبهم عمّن تشرّف بلقائه، علماً بأنّ الكثير منهم تشرف بلقاء و ليّ من أولياء الله ظنّا منه أنّه الإمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه.
أريد القول بصريح الكلمة أنّ هذه التشرُّفات لم تنتج لنا نتيجةً مفيدةً و لم تحرّك ساكناً، فلم ينقلوا عن إمامنا شيئاً من العلوم ولم يكن لهم دور في تغيير أوضاعنا السيء إلى أحسن حال بل وأكثر ما نقل لنا مطالب عامية لا تسمن ولا تغني من جوع .
توضيح:
فلو فرض أنّ خطاطاً دخل في قاعة أفراح جميلة، يا ترى ما هو الشيء الذي يركّز عليه في بادئ البدء ؟ إنّه يلاحظ الخطوط الجميلة المنقوشة فيها. و أمّا المعمار فلا يلاحظ إلا الجوانب الهندسية وهكذا، فكلّ حسب تخصصه و ذوقه و مهنته.
والفقيه الذي يمضي جلّ أوقاته في الدراسة و التدريس لماذا لم يركّز على الجانب العلمي وطرح التساؤلات و الشبهات على الإمام الحجّة أرواحنا فداه ليلتقى جواباً يفيد الأمّة؟
أين تلك العلوم والحقائق وهل هذه اللقاءات قد كانت لها الدور في رؤى ذلك الفقيه الذي تشرّف بلقاء الإمام؟
أين الأبحاث النورانية المنقولة من مجلس الإمام عجل الله فرجه حين اللقاء و هل يبخل الإمام في ذلك ؟ حاشاه.
ولا شك لو كان العالم الذي استقي من علم الإمام حتّى ولو كلمة واحدة لجعله محوراً لأبحاثه وكتاباته ودروسه بحيث كان يركّز عليه دائماً ولكن مع الأسف لا نشاهد ذلك عنهم.
فيا ترى ما الذي ينبغي لنا أن نستفيد من الإمام الحجّة في عصر الغيبة؟ وما هو الشيء المفيد و الصحيح في موضوع الارتباط به؟ و كيف تكون آلية ذلك ؟
هذا ما سنجيب عليه و الحلقة الثانية ... فانتظر .
السلوك التنزيهي 20197 20193 20191 هـ - الموافق 01 يناير 2019
السلوك التنزيهي:
يرمي قطرات من الماء في البحر فيقول: أنا قد أضفت شيئا من الماء على مياه البحر ويفتخر بذلك و يتباهى وهو من الفرحين المسرورين! كم يستحق أن ينسب إلى هذا الرجل من العقل؟ إنّه الأحمق بعينه! ماذا فعلت يا هذا ؟
هكذا في سائر الحركات و التصرفات و ما نسميها بالإنجازات ، يا عزيزي لا تظننّ أنّ لك دوراً في تحريك ساكن في هذا الكون، فأترك الأنانية و تخلّى عنها وتوّجه إلى خالقك الذي خلق كلّ شيء و أتقنه.
وهذا هو أفضل طريق للسير و السلوك إلى الله تعالى، بمعنى أنّ الإنسان لا يرى لنفسه محلا من الإعراب أبداً فحينئذٍ سوف يكون لسان حال نفسه ( إلهي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً ) وهذا لا يعني أنّه يتخلّى عن الرؤية الإيجابية بالمرّة ، كلا ! بل رغم رؤيته الإيجابية و عدم يأسه من رَوح الله إلا أنّه لا يرى لنفسه أيّةَ استقلالية، ولا يعظم أفعاله مهما كبرت ويترك الأمر إلى ربّه فهو الذي يعظمها رغم صغرها و يثيب عليها رغم عدم استحقاقها للثواب.
أهم آثار هذا النوع من السلوك هو أن ينشرح الصدر للإسلام بحيث يتقبل القيم الدينية و يتعبّد بها ولا يقلل من شأنها (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ...)(الزمر/22).
إنّ أبرز صفة للسالك هنا هو الاتكاء على الجانب التنزيهي أعني النفي ( لا أتمكن ، لم أتمكن ، لم أفعل ، لا أفعل ، ليس هذا منّي ...) وهذا النمط من السلوك هو الذي أوصل الإمام الخميني رضوان الله عليه إلى تلك المنزلة وذلك القرب إلى الله، فهو رضوان الله عليه كان على نور من ربّه ، لاحظ ماذا يقول :
(من المؤسف جداً آلاف المرات أنّي قدمت إلى هذا العالم وأنا مستغرق في بحار هوى النفس، وملتصق بالأرض المادية، ومقيّد بالشهوات وأسير للبطن والفرج، وغافل عن عالم مُلك الوجود، وسكران بسكر الأنانية والذاتية. من المؤسف أني سأفارق هذا العالم، ولم أدرك شيئاً من محبّة الأولياء، ولم أفهم شيئاً أبداً من جذباتهم وجذواتهم ومنازلهم ومغازلاتهم، بل كان حضوري في هذا العالم حضوراً حيوانياً، وحركاتي حركات حيوانيةً وشيطانية. وعليه فسيكون موتي أيضاً حيوانياً وشيطانياً. اللهمّ إليك المشتكى وعليك المعوّل).
و رغم عمق رؤيته التفسيرية يقول : (إن تفسير القران ليس من المهام التي يستطيع أمثالنا أداء حقها)
لاحظ كيف يبعد عن نفسه كلّ المحسّنات والإنجازات، بخلاف البعض الذي ينسب كلّ خير إلى نفسه ويعتقد أنّ الخير قد تحقق بإرادته و عزمه وهو جاهل بالجهل المركّب .
فهذه الكلمات لم تصدر من الإمام ره من باب المجاملة كما يتصوّر البعض، بل هي حقيقة انبعثت من باطن روح هذا العارف الرباني .
كما أنّ هذا ليس من باب اليأس و النظر السلبي للأعمال ، بل كانت نظرته إيجابية و نفسه مطمئنة إلا أنّه كان ينطلق إلى الله من خلال ترك الأنانية، وبذلك تمكن من فتح الطريق إلى الله لا لنفسه و أصحابه بل للمسلمين كافة، واستطاع أن يكتسب النور من الملكوت الأعلى و أن ينشره في أرواح المؤمنين ، هذا البصيص من النور الذي أصاب المؤمنين من خلال ذلك الروح الراقي للإمام كان أثره الثورة الإسلامية المباركة بجميع أبعادها و زواياها وهي أول مرحلة من سطوع النور الإلهي على الأمّة ، ولن يتوقف النور في هذه المرحلة بل هو في حال الانتشار، وفي هذه المرحلة من دون واسطة الفقيه بل من خلال السعي نحو الإمام الحسين عليه السلام في زيارة الأربعين، وهو بعينه استمرار للسلوك التزيهي المتجلي تماماً في هتافات عشّاق أبي عبد الله عليه السلام (حياتنا حسين ، مماتنا حسين) فهم لا يرون في أنفسهم أيّةَ أنانية أبداً سوى حبّ أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وهذا هو القمّة في التنزيه الذي ورد في الزيارات ، لاحظ هذا المقطع من الزيارة الجامعة الكبيرة (طَأطَاَ كُلُّ شَريفٍ لِشَرَفِكُمْ، وَبَخَعَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطاعَتِكُمْ، وَخَضَعَ كُلُّ جَبّارٍ لِفَضْلِكُمْ، وَذَلَّ كُلُّ شَىْءٍ لَكُمْ، وَاَشْرَقَتِ الاْرْضُ بِنُورِكُمْ) ثمّ تمعن في قوله (بِأَبِي أَنْتُمْ وَ أُمِّي وَ نَفْسِي وَ أَهْلِي وَ مَالِي ).
رزقنا الله و أيّاكم ترك الأنانية بخلع نعلي الدنيا للوصول إلى الوادي المقدس طوى .
إبراهيم الأنصاري
البحرين، جبلة حبشي
24 ربيع الثاني 1440
1/1/2019
الساعة 11 مساءً