روائع السلسلة الذهبية (الحلقة 1) 20197 20193 20191 هـ - الموافق 05 مايو 2019
الزيارة الجامعة الكبيرة من أفضل الزيارات من حيث السند و المحتوى حيث بيّن فيها ابن الرضا الإمام الهادي عليه السلام شأن الإمام وصفاته ودوره في التكوين و التشريع تفصيلا، وهو قول بليغ كامل، لم يُبق جانباً من جوانب الولاية إلا بيّنها، بدأت الزيارة بالتكبيرات المائة بالترتيب الخاص وفي بدايات الزيارة ركّز على الشهادة بالوحدانية حيث قال (اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ كَما شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ وَشَهِدَتْ لَهُ مَلائِكَتُهُ وَاُولُو الْعِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ، لا اِلـهَ اِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكيمُ) ثمّ غمر في بيان شأن الإمامة و الولاية بكلّ صراحة و من دون أي نوع من التقيّة، وقال (وَالُْمخْلِصينَ فـى تَوْحيدِ اللهِ) وأيضاً (وَاَرْكاناً لِتَوْحيدِهِ)( مَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ) لاحظ التركيز على التوحيد في مقاطع الزيارة وفي النهاية أخذنا إلى النتيجة المهمّة الذي تتمثل في التكليف الرئيس و هي (مَنْ اَطاعَكُمْ فَقَدْ اَطاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصاكُمْ فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ، وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ) و قد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام (بِنا عُبِدَالله، وَ بِنا عُرِفَ اللهُ، وَ بِنا وُحِّدَ اللهُ تَبارَك وَ تَعالی).
ولو تعمقت في الزيارة ثم لاحظت السلسة الذهبية المختصرة التي صدرت من الإمام الرضا عليه السلام في مدينة نيسابور لعرفت أنّهما حقيقة واحدة في لباسين مختلفين، لباس التفصيل حيث لا تقيّة و لباس الإجمال و التلخيص رغم التبيين الكامل من خلال استغلال الظروف المحيطة و أيضاً من خلال دلالة الفعل الذي هو حجّة مثل حجيّة قول الإمام عليه السلام.
لاحظ السلسة الذهبية التي أفصح بها الإمام الرضا عليه السلام عند مروره بمدينة نيسابور أثناء مسيره إلى مرو وعندما استشعروا أهل المدينة بوصوله إلي قرب ديارهم خرجوا من البيوت و أحاطوا بقافلته، و اجتمعوا حول محمله، وقالوا: (يابن رسول الله نريد أن نأخذ من علمك و نسمع كلامك) نقلها الشيخ الصدوق باسناده عن إسحاق بن راهويه، قال: لما وافى أبو الحسن الرضا بنيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك ؟ وكان قد قعد في العمارية، فأطلع رأسه وقال: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين ابن علي بن أبي طالب يقول: سمعت أبي علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله جل جلاله يقول: كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل أمن من عذابي. قال: فلما مرت الراحلة نادانا. بشروطها وأنا من شروطها) التوحيد الشيخ صدوق، الجزء:1، صفحة:25.
(ثم أرخى الستر على القبة وسار فعد أهل المحابر و الدفتر الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين الفا) كشف الغمة ج 2/ 307.
كلمة التوحيد:
كلمة التوحيد هي الكلمة الطيّبة التي هي كشجرة طيبة قال تعالى (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)(إبراهيم/24).فالله سبحانه ليس له فروع أبداً تعالى عن ذلك، و لكن شجرة لا إله الا الله التي هي كلمة التوحيد لها فروع وأغصان وقد ذكروا بأنّها (التوحيد في الذات ، التوحيد في الصفات، التوحيد في الأفعال، و التوحيد في العبادة) وأيضاً التوحيد في في (النظام الإلهي) هذه كلّها لله تعالى ، ولكنّ الإمام الرضا عليه السلام أراد أن يضيف توحيداً آخر قد جهله الناس أو تغافلوا عنه ، وهذا الفرع من التوحيد له ارتباط وثيق و مباشر بالإمام عليه السلام (التوحيد في الخلافة) وهو ما جاء في الزيارة الجامعة (من أطاعكم فقد أطاع الله) وهذا التوحيد هو الحصن الحصين و هو الشرط الرئيس للتخلص من العذاب الأليم ، فهؤلاء القوم في نيسابور كانوا مسلمين وهم من محبي أهل البيت عليهم السلام ولكن لم يدركوا معنى الإطاعة ، كانوا يريدون من الإمام أن يعلمهم شيئاً من الدين لا غير .
هنا نشاهد أنّه عليه السلام جرّهم إلى أمر ذات أهميّة قصوى ولكن لا بالقول فحسب بل بالفعل و الموقف .
فهنا أسألة
تطرح وهي :
- لماذا في نيسابور لا في المدينة؟
- لماذا حين الخروج لا حين الدخول؟
- لماذا لم ينزل من المركب.
- ولماذا في حال المشيء؟
- وأسألة أخرى هي مفاتيح لفتح مخازن أسرار هذا الموقف العظيم .. سنتطرق إليها في الحلقة المقبلة إن شاء الله .
إبراهيم الأنصاري
مشهد المقدّسة
21 شعبان 1440
الساعة 12:30