• عنواننا في التلغرام : https://telegram.me/al_kawthar الإيميل : alkawthar.com@gmail.com
  • اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْن ِ (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا)

الليلة 20177 20173 20171 هـ - الموافق 15 يونيو 2017

لاحظ بدقّة و تمعّن محتوى زيارة أمين الله التي هي من أصح ما ورد من الزيارات وهي لأمير المؤمنين بالأصالة وتشتمل على دعاء وهو :

(اَللّـهُمَّ اِنَّ قُلُوبَ الْمُخْبِتينَ اِلَيْكَ والِهَةٌ وَسُبُلَ الرّاغِبينَ اِلَيْكَ شارِعَةٌ وَاَعْلامَ الْقاصِدينَ اِلَيْكَ واضِحَةٌ وَاَفْئِدَةَ الْعارِفينَ مِنْكَ فازِعَةٌ وَاَصْواتَ الدّاعينَ اِلَيْكَ صاعِدَةٌ وَاَبْوابَ الاْجابَةِ لَهُمْ مُفَتَّحَةٌ وَدَعْوَةَ مَنْ ناجاكَ مُسْتَجابَةٌ وَتَوْبَةَ مَنْ اَنابَ اِلَيْكَ مَقْبُولَةٌ وَعَبْرَةَ مَنْ بَكى مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ وَالاْغاثَهَ لِمَنِ اسْتَغاثَ بِكَ مَوْجُودةٌ وَالاْعانَةَ لِمَنِ اسْتَعانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ وَعِداتِكَ لِعِبادِكَ مُنْجَزَةٌ وَزَلَلَ مَنِ اسْتَقالَكَ مُقالَةٌ وَاَعْمالَ الْعامِلينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ وَاَرْزاقَكَ اِلَى الْخَلائِقِ مِنْ لَدُنْكَ نازِلَةٌ وَعَوآئِدَ الْمَزيدِ اِلَيْهِمْ واصِلَةٌ وَذُنُوبَ الْمُسْتَغْفِرينَ مَغْفُورَةٌ وَحَوآئِجَ خَلْقِكَ عِنْدَكَ مَقْضِيَّةٌ وَجَوآئِزَ السّائِلينَ عِنْدَكَ مُوَفَّرَةٌ وَ عَوآئِدَ الْمَزيدِ مُتَواتِرَةٌ وَمَوآئِدَ الْمُسْتَطْعِمينَ مُعَدَّةٌ وَمَناهِلَ الظِّمآءِ مُتْرَعَةٌ) يا ترى هل هذه المواصفات شاملة لجميع الأيام و الليالي ؟ إنّها مواصفات تنطبق تماما على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، حيث تفتّح فيها أبواب السماء و تقّدر فيها أرزاق الخلائق و تستغفر فيها الذنوب وتنزل الفيوضات الربانية .

علماً بأن علياً استشهد في ليلة الحادي و العشرين من شهر رمضان (قبضك إليه باختياره) فهل يبعد أن تكون خصوص هذه الليلة هي ليلة القدر؟ أقول أحتمل أنّ الزيارة بلسان الإشارة  بصدد إرشادنا إلى هذه الليلة بالخصوص لنغتنمها نحن الموالون لا غيرنا!

تأمّل أيها العزيز ثمّ اجتهد في هذه الليلة لعلّ الله يخلصنا من النار و يحشرنا مع الأبرار .

إبراهيم الأنصاري البحراني

20 رمضان 1438

الساعة الثانية ظهراً.


أسرار الصيام 20177 20173 20171 هـ - الموافق 27 أبريل 2017

العبادات التي شرعها الله تعالى هي كالجواهر القيّمة التّي لها أبعاد و زوايا متعددة بحيث لو تنظر إليها من أي زاوية ستشاهد لوناً جميلاً يتميّز عن الألوان الأخرى ، فللصلاة والحجّ والصوم والجهاد و الزكاة أبعاداً لا تعدّ و لا تحصى ، نعم هناك بعدٌ مشترك بين كافة التكاليف الإلهية وهو:

*الأوّل:( ملأ الخلأ الناتج للنفس الآدمية جرّاء التوجّه إلى الشجرة والهبوط إلى الدنيا)  قال الإمام الخميني قدّس سرّه (إن حب الدنيا و النفس اللذين هما موجودين باستمرار في الذرية لمن شؤون هذا الميل إلى الشجرة و الأكل منها ...وإن جميع أنواع المعاصي لابن آدم هي من شؤون أكل الشجرة.. و الأكل من الشجرة علة لتشريع كثير من العبادات و من جملتها باب الوضوء والصلاة و الغسل وصوم شهر رمضان و كونه ثلاثين يوما) ففي حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (ص) فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أن قال لأي شئ فرض الله عز و جل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما و فرض على الأمم السالفة أكثر من ذلك فقال النبي (ص) أن آدم لما أكل من الشجرة بقى في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع و العطش والذي يأكلونه تفضل من الله عز و جل عليهم) وهو نفس حقيقة القرب إلى الله بعد الإبتعاد ، ومن هنا نعرف السرّ في أنّ العبادات لا تصحّ إلا أن تؤتى بقصد القربة إلى الله تعالى .

 * الثاني: بما أنّ حدود الله كلّها آيات إلهية لها علاقة بالمستقبل فينبغي أن ينظر إلى الصوم من هذا المنظار فالصوم في النهار هو نتيجة الإفطار في الليل ، لأنّ النهار مثلٌ لليوم الآخر الشامل لأيام الله وهي يوم القائم حيث تشرق الأرض بالشمس المهدوي فيرينا الله الطلعة الرشيدة و الغرّة الحميدة ويوم الكرّة التي طالما نشتاق إليها من خلال الدعاء (أين الشموس الطالعة )(و أشرقت الأرض بنوركم)  ويوم القيامة (وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)(الزمر/69). و لا حريّة للعبد في هذه الأيام إلا بمقدار اكتسابه من ليل الدنيا وكلّ ما يتحقق في الأخرى إنّما هو أثر طبيعي لأعماله  في الأولى . فالصوم في النهارآيةٌ للأخرى و الإفطار في الليل آية للأولى .

فيا أيّها الحبيب : عندما تغرب الشمس فأنت تدخل في ليل الدنيا فكلّ و اشرب ما اشتهيت من حلال الدنيا لا حرامها وأفعل ما تريد من حلالها فالساعات والدقائق ستنتهي بسرعة فيطلع الفجر، هذه الآية يكررها الله لك ثلاثين يوماً!  فحدّث نفسك وقل فلان ماذا فعلت في ليل الدنيا ؟ هل استثمرت هذه الفرصة للدخول في يوم الله القيامة الذي لا يسمح لك شرب الماء حيث أنّ أعضائك ليست تحت سيطرتك ؟ فتنبه أيها العزيز إلى ذلك طوال شهر رمضان لعلّ الله يرحمك ،اللهم وفقنا لصيام أيامه و قيام ليالية ... 1 رمضان 1437 – إبراهيم الأنصاري البحراني - المنامة


أجمل لوجة ! 20177 20173 20171 هـ - الموافق 13 أبريل 2017

كربلاء أجمل لوحة في الأكوان . إنّها لوحة فنيّة رسمت بإرادة ربّ العالمين و بيد سيد الكائنات ، القمّة في المعرفة والعشق و الذروة في الكمال والقرب  أعني أبا الأحرار سبط رسول الله صلى الله عليه وآله و سلّم ، ومعه الخلّص من عباد الله الذين هم ما زالوا رمز التضحية والإيثار والشوق والعشق ،أعني أولاده وأصحابه الكرام فقد عبّر عنهم أمير المؤمنين عليه السلام بعد معركة صفّين حينما مرّ بأرض كربلاء واغرورقت عيناه بالدموع وقال: " . . . مصارع عشاق، شهداء لا يسبقهم من كان قبلهم ، ولا يلحقهم من بعدهم . .."(سفينة البحار (11:2و197و475) . هي لوحة عظيمة في سعتها ذات أصول سابقة و فروع لاحقة لأنّها تتعلّق بمن ورد في حقّهم (أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى وجارٍ لكم فيما بقي ) بل إنّ لراسمها يدٌّ نافذة في أقطار السماوات السبع و العرش العظيم وأعماق الأرضين ! ومن هنا صار (كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء). وبما أن كربلاء تمثّل لوحة فنيّة شاملة لكافة الأزمنة والأمكنة فجمالها لا يتحدد بزمن خاص وهذا ما يستشعره كلّ من لديه أدنى مرتبة من الإنسانية ناهيك عن العشاق ، فكلّ عشقهم يتوجّه نحو الجوانب الصعبة والنقاط السوداء في الواقعة وهي كثيرة ، ولكنّهم لا يعشقونها بنحو مستقل كما أن الإنسان الذي يحبّ العين ويمتدح فيها لا يحبها منفصلة عن الوجه بل يكرهها حينئذٍ ، يعشق سوادها وهي جزء من الجسد لأنّ هذا السواد هو الذي يبرز بياض الزجه كما أشار إلى ذلك العارف الرباني الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه في قصيدته المعروفة(خال لب) . فنحن الأذلاء و الأسرى في هذه الأرض ما عسانا أن نرى بعيننا العمشاء و نسمع بأذننا الصمّاء ، لا نرى إلا ظاهراً من الحياة الدنيا فبطبيعة الحال قد اختفت علينا جميع معالم كربلاء إلا صورة بسيطة منها ولعلّها هي الجانب المأساوي فقط! فأين نحن من الجوانب الغيبيّة لواقعة الطف ؟ تلك المرتبطة بالسماوات السبع وبالعرش العظيم وأين نحن من آثار عاشوراء المستقبلية.وأمّا بنت فاطمة الزهراء عليها السلام وأخت الإمام الحسن والحسين عليهما السلام فبمجرّد أن مسح الإمام على صدرها قد انكشف لها عوالم الغيب فرأت ما لم نراه نحن رأت التنسيق الجميل بين أبعاد الحادثة من حيث الظاهر والمعنى ورأت ارتباط الحادثة بالهدف الأسمى لخلق الإنسان ومن ثمّ هوّنت عليها تلك المصائب رغم عظمها وسهلت عليها تلك المـآسي  رغم شدّة بأسها فنادت بأعلى صوتها: (ما رأيت إلا جميلا)


زينب ع الواسطة بين الحسين ع و المهدي ع 20177 20173 20171 هـ - الموافق 13 أبريل 2017

معرفة سرّ زينب الكبرى تتطلب رؤية ثاقبة وروحاً صافياً و نفساً زكية بعيدةً عن شوائب الدنيا، هناك

ثلاثة مراحل متتالية لابدّ من الإمعان في النظر إليها و الدّقة في استيعابها وهي (الفداء الحسيني المعزّز  بالإنطلاق الزينبي نحو دولة المهدي) فإنّ الإمام الحسين عليه السلام قد رسم لنا خطاً بدءً من هبوط آدم ومروراً بجميع الأنبياء و الأولياء و انتهاءً بآخر الزمان الذي تتحقق فيه شتّى أنواع الظلم من قتل و تشريد و أسر ونهب و طغيان !

لبقاء الأمّة حيّة غير ميّته لا بدّ من جريان الرؤية الحسينية في عروقها كجريان الدم في عروق الإنسان الحيّ و إلاّ سيأوول مصيرُها إلى الموت و الفناء .

هذه الحياة تتوقف عند آخر الزمان أعني أفول الشمس يوم عاشوراء حيث القتلى مضرجون في دمائهم وهم في نومتهم المقدّسة و رحل سيد الشهداء منهوب و أطفاله هاربون في الفيافي خوفاً وخيامه مشتعلة بنار الحسد و الحقد .

دور عقيلة الهاشمين هو استمرار لدور أبيها أمير المؤمنين عليه السلام بعد استشهاد سيدة نساء العالمين  ، كما أنّ إراقة دم الإمام الحسين عليه السلام هو انعكاس لإراقة دم أمّه الزهراء و ابنها محسن عليهما السلام ! فهي زينب بنت علي و هو الحسين ابن فاطمة ، فصبرها صبره و نطقها نطقه و شجاعتها شجاعته فهي زين أبيها حقّاً ، في الأمالي للشيخ المفيد ص321 عَنْ حَذْلَمِ بْنِ سَتِيرٍ قَالَ‏ ( رَأَيْتُ زَيْنَبَ‏ بِنْتَ عَلِيٍّ عليه السلام وَ لَمْ أَرَ خَفِرَةً (أي امرأة مستحيية) قَطُّ أَنْطَقَ مِنْهَا كَأَنَّهَا تُفْرِغُ عَنْ لِسَانِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ...) والعجب العجاب هو صبرها وقد ورد في التأريخ  (إنّه لمّا نظر عي بن الحسين إلى أهله مجزّرين، و بينهم مهجة الزهراء بحالة تنفطر لها السماوات‏، و تنشقّ الأرض، و تخرّ الجبال هدّا، عظم ذلك عليه و اشتدّ قلقه، فلمّا تبيّنت ذلك منه، زينب‏ عليها السّلام أهمّها أمر الإمام، فأخذت تسلّيه و تصبّره و هو الّذي لا توازن الجبال بصبره‏، و فيما قالت له: «مالي أراك‏ تجود بنفسك يا بقيّة جدّي، و أبي و إخوتي؟... الخ) العوالم ص: 959

والآن هل لنا أن نجّرد أنفسنا فنرى لا بأعيننا العمشاء بل ببصيرتنا النوراء  ، نرى تلك الخطوط الثلاثة المتسلسلة :  الخط الحسيني الأحمر و الخط الزينبي الأصفر الساطع و الخط المهدوي الأخضر!

الشهداء قد أنهوا مهمّتهم الحسينية الخطيرة و عرجت روحهم إلى ربّهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر و نحن إن أردنا أن لا تُدرج أسمائنا في قائمة اليزيديين فعلينا أن نتعرّف على بنت أمير المؤمنين فنتّخذها أسوة في مسيرتنا المهدوية لا نتأخر عنها و لا نتقدّم و بذلك ستدرج أسمائنا في قائمة أصحاب الإمام المهدي روحي فداه إن شاء الله.


تجلي أمير المؤمنين في الكوفة ! 20177 20173 20171 هـ - الموافق 13 أبريل 2017

تجلي أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة : لقد جاء أمير المؤمنين عليه السلام مرّة أخرى في عاصمة دولته ، ولكن هذه المرّة في صورة العقيلة المجللة زينب عليها السلام ، كلّ من كان في الكوفة ممن عاصروا أمير المؤمنين عليه السلام عندما سمعوها تخطب انتقلت في أذهانهم ذكريات أبيها ، وعندما لاحظوا صلابة موقفها عاشوا مواقف أبيها ، ها هو علي بن أبي طالب يجيب على أمير الكوفة عبد الله بن زياد عليه لعائن الله حينما خاطب زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ علبه السلام وهي مُتَنَكِّرَةً ، قال اللعين (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَ أَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ ) فلم تمهله زينب بل مباشرة (فَقَالَتْ إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَ يَكْذِبُ الْفَاجِرُ وَ هُوَ غَيْرُنَا ) هنا سألها سؤالا آخر فَقَالَ (كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وَ أَهْلِ بَيْتِكِ) فأجابت ( مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا ) ثمّ استدلت سلام الله عليها على أنّ كلّ ما رأت كان جميلا بأمرين هما : أنّهم استشهدوا في سبيل الله(هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) وأنّه سوف ينتقم الله ممن ظلمهم وقتلهم (وَ سَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ)كلّ ذلك صدرت منها بشدّة و حزم ، وفي آخر المطاف هجمت على الطاغية بقولها (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ ) . وفي حديث آخر ورد في كامل الزيارات تخاطب زينب عليها السلام ابن أخاها الإمام زين العابدين عليه السلام عن مستقبل كربلاء فتقول :( لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ‏ مِيثَاقَ أُنَاسٍ مِنْ هَذِه الْأُمَّةِ لَا تَعْرِفُهُمْ فَرَاعِنَةُ هَذِهِ الْأَرْضِ وَهُمْ مَعْرُوفُونَ فِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ فَيُوَارُونَهَا وَ هَذِهِ الْجُسُومَ الْمُضَرَّجَةَ وَ يَنْصِبُونَ لِهَذَا الطَّفِّ عَلَماً لِقَبْرِ أَبِيكَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ لَا يَدْرُسُ أَثَرُهُ وَ لَا يَعْفُو رَسْمُهُ عَلَى كُرُورِ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ وَ لَيَجْتَهِدَنَّ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَ أَشْيَاعُ الضَّلَالَةِ فِي مَحْوِهِ وَ تَطْمِيسِهِ فَلَا يَزْدَادُ أَثَرُهُ إِلَّا ظُهُوراً وَ أَمْرُهُ إِلَّا عُلُوّاً) فمن الطبيعي أنّها تصرّح بقلب مطمئن و بصوت شجيّ وبيان لا غبار عليه وتقول: (ما رأيت إلا جميلا).


القبلة العلوية 20177 20173 20171 هـ - الموافق 10 أبريل 2017

القبلة العلوية : *ما هو السر في تغيير القبلة؟ هذا هو السؤال المهمّ الذي قد أجيب عنه بأجوبة لا تسمن ولا تغني من جوع وأكثرها تبتني على نقول تاريخية و لو سلمنا بصحتها فهي تنطلق من نظرة سطحية لا ارتفاع فيها وهناك جوانب أخرى لا يمكن أن نتغاضى عنها أبدا لأنّ الآيات و الأحاديث دالّة على ذلك .  *ما هي القبلة؟ هي الجهة التي نتوجه إليها حين الصلاة ، ما هي الصلاة ؟  الصلاة معراج المؤمن ، فإذن القبلة تعني أنّ الإنسان يتوجّه إليها لكي يعرج إلى السماء . سؤال آخر يطرح هنا وهو:  *ماذا عن البيت المقدّس ؟ هو ما انطلق إليه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المعراج (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الإسراء/1) وكون البيت المقدس قبلة يعني أنّه من خلاله يتمّ العروج .  ثمّ بما أنّ النبي قد تمكن في أوائل رسالته أن ينطلق منه إلى السماء بحيث وصل إلى مرحلة عالية. بيّنها سبحانه في قوله (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ،  فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى)(النجم 9،8). و رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ما رأى من الآيات ، فالمؤمنون أيضاً يريدون أن يعرجوا من خلال صلواتهم إلى جهة البيت المقدس *ولكن هنا نقول : أنّ الذي عرج من هناك إلى المعراج هو شخص واحد فقط ، فبيت المقدّس حقيقة مكان عظيم للعروج ولكن لشخص واحد فقط وهو نبي الأمّة لا غير ولو أردنا أن نشبهه بأمر محسوس فهو مصعد يرفع الجسم والروح إلى أعلا عليين ولكنه لا يستوعب إلا شخصاً واحداً فهو ضيّق من هذه الناحية أعنى من ناحية السعة المعنويّة.  *الهندسة الإلهية: المهندس الإلهي أعني نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله قد جرّب هذه القبلة ولكن كان لسان حاله مخاطباً ربّه ، إلهي رغم عظمة هذه القبلة ولكنّها لا تستوعب عروج كافة المؤمنين إلى يوم القيامة، فهلا تغيّرها إلى قبلة أخرى تكون أكثر شمولية وأوسع مجالا لكي يعرج خلالها كافة المؤمنين ؟ لم يطلب الرسول هذا إلا من أجل أنّه حريص بالنسبة إلى هداية الناس (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)(التوبة/128). و لذلك كان يريد قبلة أكثر شمولية وأوسع سعة و أعلى مرتبة و أعظم رفعةً ، ولقد ظهر ذلك في تصرفاته كما قال سبحانه (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ...)(البقرة/144). ومن هذا المنطلق قد جهّز الله سبحانه من قبلُ بيتاً وذلك بواسطة نبيّه إبراهيم عليه السلام، رَفَعه من الأرض وأوصله إلى العرش قال: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(البقرة/127). فهذا المصعد العظيم قد كان متواجداً من قبل فلا يبقى إلا أن يحكم الله بالتوجّه إليه  .  ما الدليل على أنّه هو الذي يمكن العروج به إلى العرش؟ نفس أنّ علياً عليه السلام ولد في البيت هو دليل على ذلك لأنّ صفة علي عليه السلام هو العلوّ ومكان العلوّ هو الكعبة المشرفة وفي هذا المجال هناك أحاديث كثيرة ، و الجدير بالذكر أنّ الخطاب السماوي لفاطمة بنت أسد وأبي طالب كان أبيات شعرية منها( خصصتما بالولد الزكيِّ ، عليّ اشتق من العليّ). والقبلة لابد أن تكون في أجواء العلوّ والرفعة ، فمجيء علي عليه السلام هو علامة على العلوّ ، كالعلامة المنصوبة على مكان تحته كنز ثمين !


جبل النور 20177 20173 20171 هـ - الموافق 28 مارس 2017

جبل النور : إنّ الله خلق جبلاً شامخاً غير مرأيٍّ بالعين و مدّه في طول الزمان بدلاً من رفعه في المكان كسائر الجبال ، و جعل عبادَه يتسلّقون هذا الجبل النوراني شائوا أم أبوَا .  وكلّ من أراد صعود هذا الجبل العالي من الضروري أن يمرّ بالوادي المطلّ عليه الجبل ومن ثمّ بامكانه الصعود تدريجاً حتّى يصل إلى إلى القمّة .

*الأشهر الثلاثة: إنّ الوادي الزمني الذي يطلّ عليه هذا الجبل هو شهر رجب المرجّب ، و بداية الجبل الذي يبدأ العبد من خلالها الصعود إلى ما قبل القمّة هي شهر شعبان المعظّم ، وأمّا قمّة الجبل فهي شهر رمضان المبارك . لو كانت هذه المراحل مادّية بمعني أنّها كانت في بلد من البلدان كما هو بيت الله الحرام والمشاعر المشرفة حيث تقع في مكّة و أطرافها لكان لزاماً علينا ترك أعمالنا والذهاب إلى ذلك الجبل من أجل الصعود ، ولكن بما أنّها واقعة في الزمان فكلّ واحد منّا لا محالة سيواجه هذا الجبل و يصعد عليه شاء أم أبى وذلك لأنّ الزمان متصرّم ويمرّ من دون اختيارنا نحن ، فليس في وسعنا أن نوقّف الزمان !

*المراقبة:  فينبغي أن ننتبه تماماً فلا يأخذنا النوم ولا الغفلة ولا تحجبنا الحجب، فلا ينتهي شهر رجب إلا و نحن قد اجتزنا الوادي فنبدأ بصعود الجبل فالنراقب أنفسنا في شهر رجب الذي هو شهر التوجّه إلى الأعلى  فإنّ التوفيقات الميسّرة في شهر رجب لا نشاهدها في الأشهر الماضية،  فربّ عمل يأت به العبد في شهر ربيع الثاني مثلا ولكن لم تكن لها ثمرات كثيرة ،ولكن عندما يأتى به في شهر رجب سيكون له أثر كبير في قلبه يرفعه إلى الأعلى .

*دعاء رجب :من هذا المنطلق يمكنك أن تعرف دور دعاء رجب أعني ( يا من أرجوه لكلّ خير ...يا من يعطي من سأله يا من يعطي من لم يسأله و من لم يعرفه) فبالتأمل  في مضمون الدعاء تعرف أنّ الدعاء يشتمل على العطاء العام والرحمة الواسعة لمن يعرفه ومن لم يعرفه فلا قيد ولا شرط في البين ، بعبارة أخرى لا توجد إشارات توقّفك ، بل الطريق مفتوح لك أن تتنقّل بحريّة كاملة وذلك لأنّك لم تصعد الجبل بعدُ !

*الرحمانية : وبعبارة أخرى الإسم الإلهي الذي نتعرض إليه في شهر رجب هو ( الرحمن) مع ما يشتمل عليه من السعة (الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ونظراً إلى الرحمانية لا تفاوت في الخلق أصلاً بل الأشياء كلُّها من هذا المنظار في مستوى واحد. قال تعالى:(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ... ) فشهر رجب هو شهر الرحمانيّة ، والرحمان جلّ و علا هو الذي يستقبل العباد في هذا الشهر من دون قيد و شرط.

*الصلوات الشعبانية : أمّا لو تلاحظ الصلوات الشعبانية وتتأمّل فيها ترى بأنّ الطريق قد تحدّد  والمسلك قد تضايق وهو أمر  طبيعي لأنّك حينئذٍ ستكون في حال الصعود على الجبل إلى الأعلى . لاحظ قوله في الدعاء (اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد الْفُلْكِ الْجارِيَةِ فِي اللُّجَجِ الْغامِرَةِ ، يَأْمَنُ مَنْ رَكِبَها ، وَيَغْرَقُ مَنْ تَرَكَهَا ، الْمُتَقَدِّمُ لَهُمْ مارِقٌ ، وَالْمُتَاَخِّرُ عَنْهُمْ زاهِقٌ ، وَاللاّزِمُ لَهُمْ لاحِقٌ ) فلتّخلص من اللجج لا بدّ من الركوب في سفينة نوح ومن تخلف عنه غرق  و هلك ، وينبغي أن يمشى  الإنسان خلف إمام زمانه (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(الإسراء/71). عن الصادق عليه السلام «يدعو كلُّ قرن من هذه الأمة بإمامهم»البرهان في  ج‏3، ص: 552 

* الرحيمية : ما نلاحظها في الصلوات الشعبانية هي نعم خاصة  لا ينالها إلا ذو حظّ عظيم وليس من السهل الوصول إليها ، وهي تنطلق من الرحيميّة الخاصة بالمؤمنين (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ...) فهذه المائدة ليست عامّة بل هي خاصّة وذلك لأنّه الصعود على الجبل (شعبان) لا يتيسّر للكلّ حيث فيه خطر السقوط من دون الإرتباط بالحبل المتين .

*دعاء السحر : وأمّا شهر رمضان يعني الوصول إلى قّمّة الجبل فلا رحمانية هنا و لا رحيميّة بل ما هو أعلى منهما وهو مقام القرب الإلهي . فشهر رمضان هو شهر القرب أو على حدّ تعبير الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ( ضيافة الله ).

*السائل و السالك و الضيف: تلاحظ أنّ العبد في شهر رجب المرجّب يكون سائلاً  أمّا في شهر شعبان المعظّم يكون سالكاً من خلال السفينة و أمّا في شهر رمضان يكون ضيفاً ! وهذا في الإرتفاع لا السطح ولذلك مجرّد ما تصل إلى شهر رمضان تحسّ بكلّ وجودك أنّك في أعلى الجبل و هذا الإرتفاع يصل إلى مقام القرب حيث قد فرشت مائدة سماوية هي مائدة شهر رمضان و هذه المائدة ليست عامّة بل هي خاصة .

*نصيحة : في المرحلة الأولى حيث نكون في مقام السائل ينبغي أن نكون من أحسن السائلين فليس من الصحيح أن نجتاز هذا الشهر الذي قد انتشرت فيه الرحمة الواسعة  ونحن لم نحصل على شيء من الزاد ! هذا هو الشقاء بعينه .

*أنتم الفقراء إلى الله : تصوّر متسوّل يجلس عند باب المسجد الجامع للتكدي ليلة الجمعة وهذا شغله الشاغل لو يُسأل : في هذه الليلة و هي الجمعة كم حصلت ؟ يقول : لا شيء !! تتفاجأ من هذا الجواب.

فنفس السؤال نسأل به أنفسنا ونحن (الفقراء إلى الله) هل حصلنا على شيء في نهاية هذا الشهر ؟ وهو شهر الرحمانية ؟ لو أجبنا لا ؟ تتعجّب ملائكة السماء من هذا الجواب !

*ضيافة الله : شهر رمضان ليس شهر (أنتم الفقراء إلى الله) بل شهر (ضيافة الله) فالفقير يأتي خلف الباب و الضيف يدخل في البيت وبينهما فرق كبير ، و لذلك لا يرغب صاحب البيت أن يسمع من الضيف كلاماً يستشم منه الفقر فلا يحق للضيف أن يطلب كذا و كذا ويقول أنا محتاج و فقير ووو فصاحب الدار يجيبه : لم تظهر الفقر وأنت ضيفنا !  فأفضل الأشهر هو شهر الضيافة ، كما أنّ أفضل بقاع الأرض مشاهد أهل البيت عليهم السلام ، ينبغي أن يدخلها الإنسان كضيف من الضيوف كما ورد في زيارة صاحب الأمر عجّل الله فرجه يوم الجمعة (وَاَنَا يا مَوْلايَ فيهِ ضَيْفُكَ وَجارُكَ وَاَنْتَ يا مَوْلايَ كَريمٌ مِنْ اَوْلادِ الْكِرامِ وَمَأْمُورٌ بِالضِّيافَةِ وَالاْجارَةِ فَاَضِفْني وَاَجِرْني صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطّاهِرينَ) ولذلك لا يجوز للضيف أن يحقّر نفسه في قبال صاحب البيت بل ينبغي أن يمتلك إحساساً جميلا لأنّه ضيف و ما أعظمها من صفة ! ولذلك تشاهد الطلب في دعاء السحر كلّه طلب القرب و الوصال فتطلب البهاء و الجمال و القدرة  وسائر الصفات والأسماء فالضيف يحلق بجناحي الجمال و الجلال في أسمائه تعالى و صفاته .

*معرفة السبيل : ينبغي لنا أن نعرف سبيل التعامل في كلّ شهر ، فمنطق التعامل في رجب هو السؤال من الرحمان الذي قد وسعت رحمته فشملت كلّ شيء ، وأمّا في شهر شعبان يختلف المنطق حيث يَلبس المؤمن زيّ السالك والمجال مجال الرحيميّة ،  وأماّ في شهر رمضان فالمنطق هو منطق الواصل فهو الضيف له أن يأكل حيث شاء من أين شاء من دون قيد و شرط ... إبراهيم الأنصاري - 1 شعبان المعظم 1436

 


توبيخ 20177 20173 20171 هـ - الموافق 22 مارس 2017

أفكار ورؤى

هذه ملكة سبأ (قَالَتْ يَاأَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ)(النمل/32). (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ)(النمل/33). ثمّ هي التّي نطقت و (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)(النمل/34).

لا شكّ بأنّها ليست بصدد توبيخ و تقريع نفسها ، كيف ! والفساد هو التخريب والإحراق و هدم الأبنية، و إذلال الأعزة هو بالقتل و الأسر و السبي و الإجلاء و التحكّم، بل كانت تريد من ذلك هو سليمان المَلِك بزعمها ! ولذلك أرادت أن ترضي سليمان و تأمن شرّه بزعمها و ذلك من خلال هديتها ، قالت (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)(النمل/35).

فههنا إشارة لطيفة من إشارات القرآن الكريم لا يشعر بها إلا أصحاب الذوق السليم المأنوسون بكلام ربّ العالمين و في الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام :(( كتابُ الله عزّ وجلّ على أربعة أشياء : على العبارة ، والإشارة ، واللطائف ، والحقائق .))

لكي تتضّح لنا صورة هذه الإشارة ينبغي أن نتوسَّل بمثال يقرِّبنا إلى الحقيقة ، لو فرضنا أنَّ مجموعة من الناس جالسين حول شيخهم الناصبي المنحرف فدخل عليهم أحد كبار علماء المذهب الحق،  فقال الناصبي : الشيوخ يشككون في عقائد الناس و يفسدون أفكارهم فلاشك أنّه يقصد من هذا الكلام هذا العالم المؤمن ! فأجابه العالم بالفور : كذلك يفعلون ، فلاشك أنّه يقصد بذلك شيخهم المنحرف الجالس هنا و هو القدر المتيقن في مقام الخطاب، فلا يجوز أن نعمم الخطاب لكلّ المشايخ أينما كانوا.

فهنا أريد أن أقول بصريح الكلمة أنّ الله سبحانه يتحدّث بدلا عن سليمان عليه السلام (كذلك يفعلون) كما في الحديث  الوارد في تفسير علي بن إبراهيم ، فيا ترى من يقصد سبحانه بهذه الكلمة ؟ لا شكّ أنّه يقصد بلقيس الملكة لا سليمان ولكن من خلال الإشارة اللطيفة فتأمّل ، ومن هنا يمكننا أن نميِّز بين المُلك الإلهي الذ وهب لسليمان و لعدد من الأنبياء كيوسف و الأولياء كطالوت و بين الملك الإعتباري الذي أظهره و أمضاه البشر فلا تغفل 


إناءٌ مثقوب ! 20167 20163 20161 هـ - الموافق 27 أكتوبر 2016

إناء مثقوب !

ماذا تتوقّع من إناء مثقوب ؟! هل يتبقى و لو قليلا من الماء فيه لترتوي به ؟ كلا ! فكيف تتوقّع من بقاء فيوضات الرحمن في قلب مليء بالأثقاب!

فرغم نزول الفضل (فهو دائم الفضل على البرية ) لن يبق شيء منها في نفوسنا المعيوبة ، هذا لو لاحظنا كافة الشروط و راعيناها فوصلت الفيوضات الربانية إلينا، وأمّا لو تجاهلناها فلا حظّ لنا من الفضل قيد أنملة .

و لك أن تسال:

ما هي تلك الشروط ؟ في الجواب أقول: مضافا إلى الشروط المتداولة المعروفة من الإخلاص و الإستعداد الروحي و الإحساس بالفقر والإستكانة والإضطرار هناك أمور لا يعرف أسراها إلا الله والراسخون في العلم ينبغي مراعاتها بدقّة وهي مذكورة في أحاديثنا تتعلق بطريقة الجِِلسة حين الدعاء و حركات الأعضاء! و قد أفرد العلامّة المجلسي بابا في هذا المجال نقل أحاديث عن كتاب الكافي  ج‏2 ؛ ص479  سماه (بَابُ الرَّغْبَةِ وَ الرَّهْبَةِ وَ التَّضَرُّعِ وَ التَّبَتُّلِ وَ الِابْتِهَالِ وَ الِاسْتِعَاذَةِ وَ الْمَسْأَلَةِ) فالرغبة تعني السؤال و الطلب. و الرهبة هي الخوف و الفزع، و التضرع هي  التذلل و المبالغة في السؤال و التبتل وهو الانقطاع الى عبادة اللّه و إخلاص العمل له و الابتهال هو أن تمد يديك جميعا .

والجمع بين تلك الأحاديث الشريفة ينتج ما يلي :

  1. الرَّغْبَةُ كالدعاء للرزق أَنْ تَبْسُطُ يَدَيْكَ وَ تُظْهِرُ بَاطِنَهُمَا إِلَى السَّمَاءِ.
  2. وَ الرَّهْبَةُ أن تَبْسُطُ يَدَيْكَ وَ تُظْهِرُ ظَهْرَهُمَا إِلَى السَّمَاءِ.  
  3. قال تعالى (وَ تَبَتَّلْ‏ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) التَّبَتُّلُ تُحَرِّكُ السَّبَّابَةَ الْيُسْرَى تَرْفَعُهَا فِي‏ السَّمَاءِ رِسْلًا وَ تَضَعُهَا وَ في حديث آخر هو إِيمَاءٌ بِإِصْبَعِكَ السَّبَّابَةِ .
  4. التَّضَرُّعُ تُشِيرُ بِإِصْبَعَيْكَ وَ تُحَرِّكُهُمَا يَمِيناً وَ شِمَالًا وفي حديث آخر تُحَرِّكُ السَّبَّابَةَ الْيُمْنَى يَمِيناً وَ شِمَالًا.
  5. وَ الِابْتِهَالُ تَبْسُطُ يَدَيْكَ وَ ذِرَاعَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ تُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَكَ وَ لا ابْتِهَالُ إلا حِينَ تَرَى أَسْبَابَ الْبُكَاءِ حَتَّى تَجْرِيَ الدَّمْعَةُ.
  6. التَّضَرُّعِ أَنْ تُحَرِّكَ إِصْبَعَكَ السَّبَّابَةَ مِمَّا يَلِي وَجْهَكَ وَ هُوَ دُعَاءُ الْخِيفَةِ.
  7. التَّعَوُّذُ أن تَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِبَاطِنِ كَفَّيْكَ .
  8. الْمَسْأَلَةُ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَالَ تَبْسُطُ كَفَّيْكَ .
  9. الِاسْتِعَاذَةُ قَالَ تُفْضِي بِكَفَّيْكَ‏( أي ترفع بباطن كفيك إلى القبلة).

فيا أيهاً المشتاق الواله لا تغفل عن هذه الرموز فإنّ لها دور رئيس في نزول الفيض فلا تصغ للمشككين الجاهلين القاصرين أو المقصّرين ، أرشدنا الله و إياكم إلى الحق .

إبراهيم الأنصاري (يوم استشهاد الإمام السجاد عليه السلام 25 محرم 1438) (الساعة 01:20 مساءً)

 

http://www.erfan.ir/arabic/83295.html


ما أدريك من الإمام السجاد ! 20167 20163 20161 هـ - الموافق 27 أكتوبر 2016

الإستجابة في القرآن الكريم :

قبل أن أدخل في القرآن الكريم أذكر مثالا :

تارة تأتي بقِدرٍ وتطلب شيئاً من الطعام وأخرى لا تطلب مباشرة بل تقول إنّ القدر موجود ، فهذا تعريض دال على أنّني أطلب شيئاً من الطعام.

*تارة يطلب العبد من ربّه شيئا و يصرّحُ  فيستجيب مثل قوله (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)(الأنبياء/89،90).

*و أخرى يشرح العبد حالًه لمولاه من دون أن يكون هناك طلب صريح فيجعل نفسه في معرض الفيض الإلهي كما فعله النبي يوسف عليه السلام (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ، فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(يوسف/34). (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)(يوسف/34 ، 35). فلم يطلب منه تعالى أن يسجن! ولا يتناسب مع العبد ذلك و لم يقل بالصراحة كيف يُصرف عنه كيد النسوة ، بل بيّن حاله لربّه لا غير وهو ينتظر نزول الفيض الربّاني عليه و لم يحدّد ذلك الفيض لأنّ الأمر يرجع إلى الله تعالى.

و كذلك صاحب الحوت (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)(الأنبياء/87 ، 88).

أدعية الصحيفة السجادية :

نشاهد أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام قد اتّخذ نفس الطريقة في الصحيفة السجّادية فكثير من أدعيتها هي عرض النفوس لقبول الفيوضات الإلهيّة المتناسبة للحاجة. كما ورد (وأخلص لك دعائي نعرُّضاً للإجابة)

هنا سؤال يُطرح و هو: رغم كثرة الفيوضات الربانية و تنوّعها و لطافتها لأنّها جميعاً إفاضات أسماء الله الحسنى و صفاته العليا، فهل يُتصوّر من غير الخالق أن يعرف الفيض المتناسب لحالات العبد، ليشرح لربّه الحالة على أمل أن يفيض عليه من الفيوضات الخاصّة ؟

هذا أمر مستحيل إلا إذا كان العبد يعلم الغيب أولاً و هو مأنوس بالغيب و مفاتيحه ثانياً وقد أذن الله له التصرّف هناك ثالثاً ...فالصحيفة السجّادية بنفسها دليل على إعجازها و أنّ حاملها هو تالي تلو الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله .

 فبا عزيزي : ينبغي أن تمتلك البصيرة كي تدحل في الصحيفة! لأنّها من الإمام المعصوم علي بن الحسين السجاد فما أدراك من السجّاد؟ ثمذ ما أدراك من السجّاد؟

وقد أرسل أحد الأعلام نسخة من الصحيفة مع رسالة إلى الشيخ الطنطاوي فكتب في جواب رسالته: (ومن الشقاء أنّا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيّم الخالد في مواريث النبوّة وأهل البيت، وإنّي كلّما تأمّلتها رأيتها فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق)

و حكى ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب: أن بعض البلغاء بالبصرة ذكرت عنده الصحيفة الكاملة فقال: (خذوا عني حتى أملي عليكم مثلها، فأخذ القلم وأطرق رأسه فما رفعه حتى مات) .

إبراهيم الأنصاري (يوم استشهاد الإمام السجاد عليه السلام 25 محرم 1438) (الساعة 11:20 ظهرا)


العبد الآبق 20167 20163 20161 هـ - الموافق 28 سبتمبر 2016

"إِلَهِی أَلْبَسَتْنِی الْخَطَایَا ثَوْبَ مَذَلَّتِی وَ جَلَّلَنِی التَّبَاعُدُ مِنْكَ لِبَاسَ مَسْكَنَتِی وَ أَمَاتَ قَلْبِی عَظِیمُ جِنَایَتِی" 

و هل هناك ذنب أعظم من الوقوف في وجه سيد شباب أهل الجنّة ، فالقلب قد مات تماما (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ...)(الأنعام/122).  (فاحینی بتوبه منك) اللهم اغفر ذنوبنا (فَبِعِزَّتِكَ لا اَجِدُ لِذُنُوبی غافِرا)(فَوَا أَسَفَا مِنْ خَجْلَتِی وَ افْتِضَاحِی) قد أرعبت أطفال الحسين و بنات رسو الله  فيا لها من جريمة ! (  إِلَهِی إِنْ كَانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ تَوْبَةً  وَ عِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِینَ) أنا نادم مخطئ آسف . الهی العفو ....الهی العفو .

ابتعد عن الجيش أمرغ جسمه ووجهه بالتراب ولم لا ؟ وهذا هو الإمام الحسين عليه السلام فلذة كبد أبي تراب فلا ضير أن أكون ترابياً ! خلعَ نعليه و جعلها معلقّة في عنقه، و لم لا والله يخاطب موسى  (فَاخْلَعْ نَعْلَیْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) فما بال الحرّ لا يخلع نعليه ، هذا هو قمّة الحياء و الأدب ، جاء نحو الإمام عليه السلام نادماً (هَلْ یَرْجِعُ العَبْدُ الآبِقُ إلاّ إلی مَوْلاهُ)  مجرّد ما رأى الإمام عليه السلام جعل يبكي بكاء شديداً و هو يسال إمامه (هل لی من توبـه؟!) فقال له الإمام الحسين (ارفع رأسك) فمن التجأ إلى بيتنا بيتِ النبوة و الرسالة فهو مرفوع الرأس ، فكلّ من يرى في نفسه العزّة و الرفعة له أن يرفع صوته (يا حسين).

فاستاذن ولكن :

كربلاء بدأت بزينب ، وهي التّي تمثّل أمّها فاطمة بل هي حلقة وصل بين الأم وبين الناس فهل هناك أمرٌ ذو بال يختتم بخير من دون أن تشرفَ عيليه قرة عين الرسول فاطمة الزهراء عليها السلام.

فلا بد إذن أن يقصد زينب ويستاذن منها ، فتوجه نحو الخيام ، آه يا حرّ كم أنت مؤدّب ! أفديك يا نموذج الحياء ! بنو هاشم كلّهم أحياء و أنت تريد القتال !

ليتك كنت حيّاً في تلك الساعة التي كان أطفال الحسين يفرّون من خيمة إلى خيمة ليس هناك من محامٍ و معين و بنو هاشم جميعاً مضرّجين كالأضاحي و عمر بن سعد ينادي ( من ينتدب للحسين ويُوطئه فرسه فانتدب عشرة فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضَّوا ظهره وصدره) ثم نادى اللعين أحرقوا خيام الظالمين!! فأضرمت النيران في الخيام..  فجاءت الحوراء زينب إلى الإمام زين العابدين عليه السلام وهي تقول: يا بقيّة الماضين، وثمال الباقين، أضرموا النار في مضاربنا؟!  قال: (عمّة) عليكن بالفرار!!  ففررن بنات رسول الله صائحات باكيات نادبات.. وا إماماه .

إبراهيم الأنصاري

26 ذو الحجة 1437

الساعة السادسة صباحاً ...البحرين


إلهي أين جودك يا جواد ؟ 20167 20163 20161 هـ - الموافق 01 سبتمبر 2016

حينما ترفع يدك إلى السماء و تدعوا ربّك سائلا و منادياً إيّاه (يا نور يا قدّوس) أو (يا منوّر النور) هل يحلق ذهنك إلى من تنوّرت السماوات و الأرضين بل تنوّر النور بنورها أعني الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام فهي الكوكب الدرّي ؟ وهل تنطلق إليها كمجرى للفيوضات النورانية الربّانية ؟

و حينما تخاطب ربّك (يا نور المستوحشين في الظلم) هل يختلج في ذهنك الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وهو الذي تقول عنه في دعاء الصباح (الدليل اليك في الليل الاليل) ؟ و لولاه لانغمست البشرّية في غياهب الظلام و تورّطت في الجهل و الضلال، وأيضاً هل تخطر في نفسك كعبة القلوب و الوليّ المحبوب صاحب العصر و الزمان أرواحنا فداه ؟

فأنت إذن قد تمسكت  بالسبب المتّصل بين الأرض و السماء وبذلك لابدّ و أن يتقبلك ربّك بقبول حسن  و يستجيب دعوتك لأنك قد سلكت السبيل اليسير الذي ينتهي بك إلى المقصود و هو الربّ الودود.

و علماً بأن الله هو الجواد حقا و الرؤوف صدقاً ( يا أجود من كل جواد يا ارئف من كل رؤف) لأنّه المعطي بلا غرض و لا عوض.

 ولكن لك أن تقول : إلهي ! أين حلّ جودك و كرمك؟ يا ذا الجلال و الإكرام يا ذا النعماء و الجود يا ذا المنّ و الطول حرّم شيبتي على النار . وَ جُدْ لِي بِجُودِكَ وَ اعْطِفْ عَلَيَّ بِمَجْدِكَ وَ احْفَظْنِي بِرَحْمَتِكَ.

فلم تتمّ الإستفاضة من الجود الإلهي إلا بالنظر إلى الملكوت (وَاِلى جُودِكَ وَكَرَمِكَ اَرْفَعُ بَصَري) و مشاهدة مجرى الجود (وَبِجُودِكَ اَقْصِدُ طَلِبَتي) الذى من خلاله تنزل هذه الصفة من الجواد الكريم إلى المعدن وهم أهل البيت عليهم السلام عامّة و الإمام الجواد خاصّة ثمّ إلينا نحن المذنبين .

تأمّل و أبشر بما في هذا(وَ أَسْأَلُكَ بِجُودِكَ أَنْ تُدْنِيَنِي مِنْ قُرْبِكَ وَ أَنْ تُوزِعَنِي شُكْرَكَ وَ أَنْ تُلْهِمَنِي ذِكْرَكَ.) فلا يتسنّى لنا الوصول إلى  الدنوّ من قربه تعالى ، و توزيع شكره ، و إلهام ذكره إلا من خلال جوده النازل إلينا من سماء الربوبية إلى معدن الجود و من ثمّ إلى أرض الخلق .

فيا عزيزي هل تعرفت على السرّ الكامن في حديث اللوح (لأقِرَّنَّ عَيْنَهُ‏ بِمُحَمَّدٍ ابْنِهِ وَ خَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ وَارِثُ عِلْمِي وَ مَعْدِنُ حِكْمَتِي وَ مَوْضِعُ سِرِّي وَ حُجَّتِي عَلَى خَلْقِي جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ وَ شَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّار) وايضاً السرّ في أنّك عند طلب الحاجة في حرم الإمام علي بن موسى عليه السلام تذكر ابنه الإمام الجواد عليه السلامفتأمّل جيداً و لا تغفل عن هذا فتخسر .

(يَا أَبَا جَعْفَرٍ يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَيُّهَا الْجَوَادُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ يَا حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ يَا سَيِّدَنَا وَ مَوْلَانَا إِنَّا تَوَجَّهْنَا وَ اسْتَشْفَعْنَا وَ تَوَسَّلْنَا بِكَ إِلَى اللَّهِ وَ قَدَّمْنَاكَ بَيْنَ يَدَيْ حَاجَاتِنَا يَا وَجِيهاً عِنْدَ اللَّهِ اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ اللَّه‏)

إبراهيم الأنصاري البحراني 1437

 بمناسبة ذكرى مولد الإمام الجواد عليه السلام


الغريب هو الغريب ! 20167 20163 20161 هـ - الموافق 13 أغسطس 2016

   هل الغريب هو الإمام الحسين أم الإمام الرضا عليهما السلام ؟ سؤال نتداوله بيننا دائماً و لا نشاهد له إجابة مقنعة تروى غليل قلوبنا ، ولكن لو تأمّلنا في التأريخ لشاهدنا أنّ الغريب هو الغريب بعينه ، أنظر إلى كيفية وداع الإمام الرضا عليه السلام قبرَ جدّه رسول الله حيث كان يكرّر و لا يطيق فراق جدّه صلّى الله عليه وآله، فيعود إلى القبر، ويريد أن يخرج فلا يجد قدماه إلاّ وهما تحملانه مرّة أُخرى إلى ذلك الضريح الأقدس، ثمّ لا يجد نفسه إلاّ وقد علا صوته بالبكاء والنحيب. ولا حظ أيضاً الإمام الحسين عليه السلام وهو عند قبر جده رسول الله يبكي يقول: السلام عليك يا رسول الله! أنا الحسين بن فاطمة، أنا فرخك وابن فرختك وسبطك في الخلق الذي خلفت على أُمّتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذولني وضيّعوني، وأنهم لم يحفظوني، وهذا شكواي إليك حتى ألقاك.

وأيضاً السبب في خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى كربلاء هو نفس السبب في خروج الإمام الرضا عليه السلام من المدينة إلى مروّ حذوّ القذّة بالقذّّة ، بل كلّ من هاتين الواقعتين تفسّر الواقعة الأخرى تماماً . و لكن تعال معي لنتأمّل في أسلوب تعامل بني أميّة الغبي مع أبي الأحرار ونقارنه بأسلوب تعامل بني العباس المكري الشيطاني مع ثامن الحجج .

فبخصوص أبي عبد الله عليه السلام نلاحظ التأريخ يقول :  كتب يزيد إلي الوليد بن عتبة وكان علي المدينة ..إذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة علي أهل المدينة ثم أرفق الكتاب بصحيفة صغيرة فيها: خذ الحسين ... بالبيعة أخذاً شديداً، ومن أبي فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه.

والآن تأمّل في موقف المأمون من الإمام الرضا عليه السلام حيث أراد من الإمام أن يقبل ولاية العهد بعده  فأبى عليه الرضا إباء شديداً، فاستدعاه إليه، وخلا به وقال له: إني قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين، وأفسخ ما في رقبتي، وأضعه في رقبتك. فأبى الإمام عليه السلام ، قال له: إني موليك العهد من بعدي! ثمّ قال له المأمون كلاماً فيه كالتهديد له! وكان مما قال فيه: إن عمر بن الخطاب  جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وشرط فيمن خالف منهم أن تضرب عنقه، ولا بد من قبولك ما أريده.  لاحظ أنّ  الإمام الرضا عليه السلام كالإمام الحسين عليه السلام كانا قد وقعا في معرض الإغتيال ولوكانا يبقيان في المدينة لقتلا قطعاً و ماذا كان يحدث حينئذٍ ؟ ألا ترى أنّ  استغل موسم الحج و دس عددا كبيرا لقتل الإمام علي السلام و لو كان متعلقا بأستار الكعبة . فخاف أن يُقتل في الحرم فيضيع دمه و لا يُعطي ما أعطاه قتله بالنحو الذي تمَّ عليه من النتائج التي أقضت مضاجع الطغاة و الظالمين ، و لو تمكَّنت أجهزة يزيد من اغتياله في الحرم أشاعوا انه اغتيل بسف خارجي . ألا ترى أنّه عليه السلام عند خروجه من المدينة تلا قوله تعالى (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(القصص/21). ثم عند وروده مكّة تلا قوله (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل)(القصص/22). كلّ ذلك ليكون أمره مكشوفاً للناس و يكون لقتله أثرٌ في المجتمع .

هذا ما حقّقه ثامن الحجج عليه السلام أيضاً حينما خرج من المدينة  متوجّهاً نحو خراسان ، فقد اختار سواء السبيل حيث مرّ على أهمّ المدن إلى أن وصل نيسابور وأعلن للناس أنّه هو وأجداده هم  المحور للتوحيد لا غيرهم فبطبيعة الحال قد كشف عن باطن بني العباس الخبيث ، فقتل مظلوما شهيداً .

وكما أنّ سيد الشهداء عليه السلام يقول بكلّ وجوده : (رضا برضاك) ، كذلك الإمام الرضا عليه السلام هو (الراضي بالقدر والقضاء)  . وفي الختام أوّد أن أؤكّد أن هناك دوراً لكلّ من فاطمة الزهراء عليها السلام في القضاء على مؤامرة السقيفة و الإمام الحسين عليه السلام في القضاء على دولة بني أميّة و الإمام الرضا عليه السلام في القضاء على دولة بني العباس ، وكلّ هذه الأدوار تنطلق نحو الدولة المهدوية المباركة ، ولذلك نعرف السرّ في أنّ الأحاديث تقول أنّ المهدي عجل الله فرجه هو من ولد فاطمة و من ولد الحسين و ولد الرضا عليهم السلام.

أسأل الله أن يوفقنا لتبعية أهل البيت عليهم السلام في سبيل الوصول إلى دولة الحق . إبراهيم الأنصاري – 19 شوال 1436 مشهد المقدّسة


أجسادكم في الأجساد : 20167 20163 20161 هـ - الموافق 19 يوليو 2016

(وَ أَجْسَادُكُمْ فِي الْأَجْسَادِ وَ أَرْوَاحُكُمْ فِي الْأَرْوَاحِ وَ أَنْفُسُكُمْ فِي النُّفُوسِ وَ آثَارُكُمْ فِي الْآثَارِ)

بالتأكيد أنّه قد قرعت سمعَك حقيقةٌ ربّانيّة وهي الولاية التكوينيّة ، فهي لا تعني سوى أنّ المعصومين عليه السلام هم الحلقة بين البارئ سبحانه و بين مخلوقاته في عالم التكوين و بتبع ذلك في عالم التشريع ، كيف يكون للهواء دور رئيس في نموّ الشجر و الشجر تأثير في الحفاظ على البشر كمثال محسوس .

إنّهم عليهم السلام تجلٍّ و ظهور لأهم الصفات الإلهية و هي الإرادة  و المشيئة ، فجميع المخلوقات ظاهرها و باطنها هي فعل الله تعالى و مظهر إرادته سبحانه وتجلٍّ لمشيئته ولذلك يطلق عليها (شيء) وبالنتيجة فأجساد الناس و الملائكة و الجن و أعضائهم و كذلك الدواب إنّما هي شعاعٌ لإرادة الربّ الهابط إلى أهل البيت عليهم السلام ، و بالنتيجة كلّ ما في عالم التكوين من الغيب و الشهود وآثارهما التي ملأت كلّ شيء مرتبطة بهم عليهم السلام ، نقرا في الزيارة (بِكُمْ يَكْشِفُ اللَّهُ الْكَرْبَ وَ بِكُمْ يُنَزِّلُ اللَّهُ الْغَيْثَ وَ بِكُمْ تَسِيخُ الْأَرْضُ‏ الَّتِي تَحْمِلُ أَبْدَانَكُمْ وَ تَسْتَقِرُّ جِبَالُهَا عَنْ مَرَاسِيهَا ، إِرَادَةُ الرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ ) .

فلا تغفل عن ذلك حينما تقرأ دعاء كميل وتقول (و بنور وجهك الذي أضاء له كلّ شيء ، يا نور يا قدّوس) فهو تعالى النور ، و أهل البيت هم الوجّه المنوّر فتدبّر أيّها العزيز في هذه الكلمة و لا تمرّ عليها مرور الكرام !

قال الإمام الخميني ره في تعليقاته على شرح فصوص الحكم – ص 89 الى 90 (فصار جسمه جسم الكل و نفسه نفس الكل و روحه روح الكل كما في الزيارة الجامعة : " اجسادكم في الاجساد و ارواحكم في الارواح و انفسكم في النفوس " )

ثمّ تطرّق اإلى الحديث القدسي عن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ‏ (مَا زَالَ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ‏ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ‏ حَتَّى أُحِبَّهُ‏ فَكُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَ يَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَ رِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَ لَئِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَ إِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) وقال :

(ففي ذلك المقام يصير العبد سمع الحق و بصره و يده كما في حق مولى الموالي سلام الله عليه " اذن الله الواعية عين الله الناظرة و يد الله " الى غير ذلك فيسمع الحق به و يبصر به)  ثمّ قال : (صار عقل الكل عقلهم و روحهم روح الكل و جسمهم جسم الكل كما ورد " ارواحكم في الارواح و انفسكم في النفوس " فالكل من قاطني عالم الارواح و الاشباح مربّوُن بتربيتهم مُدبّرون بتدبيرهم يتصرفون فيه كما شاء ) وللحديث تتمّة فانتظر

العبد الفاني

إبراهيم الأنصاري البحراني

الثلاثاء 14 شوال 1437

الساعة 5:50 صباحا


أسماؤكم في الأسماء : 20167 20163 20161 هـ - الموافق 18 يوليو 2016

قبل ان يأمر الله الملائكة بالسجود علمّ آدم الأسماء (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)(البقرة/31). (قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(البقرة/32). (قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)(البقرة/33).

هذه الأسماء كلَّها كاشفة عن المُسمَّيات العينية الخارجية فهي كانت حقائق لم تتيسَّر للملائكة الوصولُ إليها ولم تعرف الملائكة أسمائها من قبل أن ينبأهم آدم بأهمِّها التّي كانت مخيِّمة على سائر الأسماء ، وهذه الأسماء كانت على صعيدين :

الأول : الأرض : وقد ذكرها أهل البيت عليهم السلام نكتفي بحديث واحد (عن الفضل بن عباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال  سألته عن قول الله عز وجل وعلم آدم الأسماء كلها ما هي؟ قال: أسماء الأودية والنبات والشجر والجبال من الأرض)(بحار الأنوار ج 11 ص 471 رواية 19 باب2).

الثاني: السماء : وأهمّها أسماء أهل البيت عليهم السلام ، ولأهميّة هذه الأسماء خاصة وذلك لمكان علاقتها بمقام الخلافة الإلهيّة نشاهد أنّ مصاديقها قد عرضت على الملائكة  (ثمَّ عرضَهم على الملائكة) ومن الواضح أنّها تدلّ على أنّ الذين عرضوا إنّما هم خيرة خلق الله (فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) فكانوا في محضر آدم و الملائكة و (هؤلاء) لا تنطبق على الجبال والشعاب والأودية والنبات والشجر. بل هم  تلك الذرِّية المباركة ، فمن أجلهم خلق الله آدم و بنيه فقوله في الزيارة الجامعة وأسمائكم في الأسماء إشارة إلى ذلك حيث كانت أسمائهم في الأسماء التِّي علَّمها الله آدم عليه السلام . وفي الحديث  (بإسناده عن على عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وآله:.. علم آدم الأسماء كلها وكان اسم علي وأسماء أولاده عليه السلام فعلَّم اللهُ آدم أسماءهم)(بحار الأنوار ج 39 ص 48 رواية 15 باب73)

وأيضاً (عن أبي محمَّد العسكري عليه السلام ....  فقال رسول الله وهل شرفت الملائكة إلا بحبِّها لمحمَّد وعليٍّ وقبولها لولايتهما...) (بحار الأنوار ج 11 ص 137 رواية 1 باب 2)


ذكركم في الذاكرين : 20167 20163 20161 هـ - الموافق 16 يوليو 2016

من أروع ما في الزيارة الجامعة الكبيرة هذا المقطع العرفاني الذي في لطفه عميق وهو ( بِأَبِي أَنْتُمْ وَ أُمِّي وَ نَفْسِي وَ أَهْلِي وَ مَالِي ذِكْرُكُمْ فِي الذَّاكِرِينَ وَ أَسْمَاؤُكُمْ فِي الْأَسْمَاءِ وَ أَجْسَادُكُمْ فِي الْأَجْسَادِ وَ أَرْوَاحُكُمْ فِي الْأَرْوَاحِ وَ أَنْفُسُكُمْ فِي النُّفُوسِ وَ آثَارُكُمْ فِي الْآثَارِ وَ قُبُورُكُمْ فِي الْقُبُورِ فَمَا أَحْلَى أَسْمَاءَكُمْ وَ أَكْرَمَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَعْظَمَ شَأْنَكُمْ وَ أَجَلَّ خَطَرَكُمْ وَ أَوْفَى عَهْدَكُمْ ) فلا محالة كلّ ذاكر يذكرهم حينما  يذكر الله تعالى !

و خير ذاكر لأهل البيت عليه السلام هو نفس الباري جلّ ثنائه ، في دعاء الجوشن الكبير ( يَا خَيْرَ الذَّاكِرِينَ يَا خَيْرَ الْمُنْزِلِينَ يَا خَيْرَ الْمُحْسِنِينَ ) و القرآن الكريم يقول : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(الأحزاب/56). ثمّ الذاكرون لهم هم الملائكة المقرّبون و الموّكلون الذين لا يعلم عددهم إلا الله تعالى ، فلو أصغيت بباطن وجودك للأصوات المنتشرة في العوالم جميعا من السماوات و الأرضين بل العرش و ما فوقه ، لسمعت العجب ! فجميعهم و باستمار يصلّي على محمد وآل محمّد الذين هم الذكر بعينه بدليل قوله تعالى (... قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا)(الطلاق/10). (رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ ...)(الطلاق/11).  ففي عيون الاخبار في باب مجلس ذكر الرضا (عليه السلام) مع المأمون ...( قال: الرضا (عليه السلام): ... فنحن أهل الذكر الذين قال الله تعالى: (...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(النحل/43).فنحن أهل الذكر فاسئلونا ان كنتم لا تعلمون، فقالت العلماء: انما عنى بذلك اليهود و النصارى، فقال أبوالحسن: سبحان الله وهو يجوز ذلك اذا يدعونا إلى دينهم ويقولون انه أفضل من دين الاسلام؟ فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا يا أبا الحسن؟ فقال: نعم الذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن أهله، وذلك بين في كتاب الله عزوجل حيث يقول في سورة الطلاق: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا) فالذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) و نحن أهله)

وفي المرحلة الثانية الذاكرون هم الأنبياء و المرسلون وعباد الله الصالحون بدليل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فهم حين ذكر الصلاة لا بدّ و أن يذكروا أهل البيت عليهم السلام .

وأمّا نحن المقصّرون فينبغي لنا أن نتخلّق بأخلاق الله و نتلوّن بلون الأولياء لنحظى بالكرامة واللطف النازل من سماء الربوبيّة من مجرى الفيوضيات أعني محمّد وآله .

عاشق أهل البيت

إبراهيم الأنصاري – البحرين

11 شوال 1437 الساعة 11 صباحا


ثقافة الإحساس 20167 20163 20161 هـ - الموافق 18 أبريل 2016

هل سبق و أن زرت الإمامين عليهما السلام الإمام السابع وهو موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام و الإمام التاسع محمد بن علي الجواد عليه السلام ، لا بدّ و ان سألت نفسك: إذا كان هذا هو الأب فإين ابنه؟ و اذا كان هذا هو الإبن فاين أبوه ؟

و بالحال انتقل طائر ذهنك نحو خراسان !  فناديت من صميم قلبك( السلام عليك يا غريب الغرباء ) ثمّ تذكرت المصائب التي حلّت بهم فصرخت (يا منتقم يا مهدي) ولم تكتف بذلك بل تذكرت الأحاديث التّي تتحدّث عن أنصار الإمام الحجّة روحي فداه و أنّ قائدهم من خراسان وأن خروج الخراساني من علائم ظهو الإمام المهدي عجّل الله فرجه ، و إنّه سيخوض مع آلاف الجنود حرباً شعواء ضدّ الأعداء .

 إذا كنت تمتلك هذا الشعور و الإحساس فأنت إذن شيعيٌّ حقّاً وقلبك مليء بحبّهم فهنيئاً لك و بارك الله فيك فاسعَ في تشديد هذا الشعور الجميل ليخيّم على كلّ وجودك و حركاتك و سكناتك ، و ثمرة هذا الإحساس هو أنّك تتمنّى أن تكون معهم وسيكون (يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيما) وردا للسانك صباحا و مساءً ولن يرتوي غليلك إلا بعد العثور على فرصة تغتنمها لتخدمهم فيها بالدفاع عنهم و محاربة أعدائهم و الفوز بالشهادة في سبيلهم الذي هو سبيل الله بعينه رزقنا الله و إياكم .

إبراهيم الأنصاري – مولد الإمام الجواد 1437


( من ... إلى ...)! 20167 20163 20161 هـ - الموافق 11 أبريل 2016

تارة تقول الشمس طالعة بدليل تحقق النهار ، فيكون تركيزك على ضوء النهار المختلط بالظلمة التي جَعَلتْه ملائماً و نوره منسجماً معك أيّها الضعيف .  وحينئذٍ تكون معرفتك متلبّسة بالحجب الظلمانية التي لا محيص من تقبّلها .

و تارة أخرى تقول بما أنّ الشمس طالعة فالنهار متحقق موجود ، ففي هذه الحالة جعلتَ الشمس دليلا على النهار المشوب بالظلمة والظل قال تعالى (... ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً)(الفرقان/45). و هذه المعرفة هي النموذجية التّي تعرّفك على خالقك من دون استخدام الوسائط ولذلك ورد في الحديث(اعرفوا الله بالله) (اللهم عرّفني نفسك) وهي التّي ترغِّب بها القرآن و الأحاديث و خاصة الأدعية النورانية .

وإن رايت بأنّه تعالى يؤكّد على التوجّه إلى المخلوقات فلأنّها تشير إلى الحق تعالى فهي ليست وسائل مستقلّة تستخدم للمعرفة بل هي علامات تعكس جانب من جوانب الخالق الرحمن الرحيم الجميل القهار و سائر الصفات الجمالية و الجلالية.

وهذه الاثار الكونية ليست إلا كالمرايا المختلفة اللون كل واحدة منها تُظهر  جانباً من جوانب المعشوق لا غير  فهو تعالى ليس مِثل المخلوقات ! ومبدئياً العكسُ هو الصحيح أى الأشياء هي مِثله فأنت أيها الإنسان مِثله تعالى ! و الملائكة مثله ! و النباتات كذلك.

و بما أن الموجودات جميعا بينها اختلاف كبير في الصُوَر تماماً فبالنتيجة:

(ليس كمثله شيء) تأمّل تعرف .

هذا القانون جارٍ على أولياء الله أيضاً فليس لنا أن نتعرّف عليهم من خلال آثارهم و كراماتهم و مواقفهم البطولية و غيرها ، فالقصص و الحكايات و حتى الكلمات لا تعرّفنا حقيقة الإمام عليه السلام بل تفتح لنا باباً من أبواب المعرفة بشرط أن لا نقف وراء ذلك الباب بل ندخل من خلاله فنصعد إلى الأعلى.

 مثلاً : موقف الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام مع المتوكّل عليه لعنة الله حتى قد ورد أنّه ( ضرب المتوكل بالكأس الارض و تنغص عيشه فى ‏ ذلك اليوم)!هذا إن دلً على شيء فإنّما يدل على ولاية الإمام التكوينية حتى على القلوب التي هي كالحجارة بل أشدّ .

وايضاً رواية  مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْتَرُ الْعَلَوِيُّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عَلَى بَابِ الْمُتَوَكِّلِ وَ أَنَا صَبِيٌّ فِي جَمْعٍ‏ مِنَ النَّاسِ مَا بَيْنَ طَالِبِيٍ‏ إِلَى‏ عَبَّاسِيٍّ وَ جَعْفَرِيٍّ وَ نَحْنُ وُقُوفٌ إِذْ جَاءَ أَبُو الْحَسَنِ تَرَجَّلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ حَتَّى دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لِمَ نَتَرَجَّلُ لِهَذَا الْغُلَامِ وَ مَا هُوَ بِأَشْرَفِنَا وَ لَا بِأَكْبَرِنَا وَ لَا بِأَسَنِّنَا وَ اللَّهِ لَا تَرَجَّلْنَا لَهُ فَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ وَ اللَّهِ لَتَتَرَجَّلُنَّ لَهُ صَغِرَةً إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَقْبَلَ وَ بَصُرُوا بِهِ حَتَّى تَرَجَّلَ لَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ أَ لَيْسَ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ لَا تَرَجَّلُونَ لَهُ فَقَالُوا لَهُ وَ اللَّهِ مَا مَلَكْنَا أَنْفُسَنَا حَتَّى تَرَجَّلْنَا.)

تدلّ على هيبة الإمام عليه السلام و جلالته و تأثيره التكويني !

فبالنتيجة ينبغي أن ننطلق إلى الولاية و الهيبة و سائر الصفات في الإمام و نجعلها مبدئاً للإنطلاق  من دون ملاحظة  الحكايات الواردة ، وبذلك نكون قد تخلصنا من قيود الحجب و دخلنا في ساحة المعرفة و استجيب دعاؤنا (اللهم عرفني حجّك فإنّك إن لم تعرفني حجّتك ضللت عن ديني .)

ذكرى استشهاد الإمام الهادي عليه السلام - 3 رجب الأصب 1437 – الساعة 15:20- البحرين

 

 


الرجوع إلى الله تعالى 20167 20163 20161 هـ - الموافق 22 مارس 2016

بمناسبة ارتحال العالم الربّاني السيد جواد الوداعي قدّس سرّه

مقدّمةً : ينبغي التأمّل في أنّ جميع المخلوقات بما فيها الإنسان و إرادته و تصرفاته وأفعاله  رَبطٌ محض بالله تعالى لا استقلالية فيها أبداً ، لاحظ قوله تعالى (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)(فاطر15-17).

فالله سبحانه و تعالى قد أوجدنا جميعاً و لم نك شيئاً فالمَلك و المالك في الأولى و العقبى هو الله سبحانه لا غير (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(الملك/1). (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُون)(المؤمنون/88).(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (المؤمن/16) فينبغي أن يكون لسان حال الإنسان دائماً هو:

(يَا سَيِّدِي فَكَيْفَ‏ بِي‏ وَ أَنَا عَبْدُكَ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ الْمِسْكِينُ الْمُسْتَكِين‏) هذا يعني العبودية المحضة لله تعالى التّي في الحقيقة هي الجوهرة الثمينة .

فمادام أنّنا لا نملك شيئاً و لا نقدر على شيء (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ...)(النحل/75). فلا ينبغي الحزن على ما نفتقده بل لا معنى للفقدان أبداً ، لأنّ المالك هو الذي يتأتى في شأنه مفهوم الفقدان و من لا يملك لا يفقد !

على ضوء ذلك نعرف معنى قوله تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)(الحديد/23،22). ركّز في نهاية الآية فأنّها تشتمل على رموزٍ كثيرة لا يعرفها إلا أولوا الألباب .

لا حظ قوم قارون و كلامهم الجميل المليء بالحكمة ! (..إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)(القصص/76).

و بالنتيجة لا معنى لا للفرح و لا الحزن  في هذا المجال أبداً ،و كما يقول المنطقيون (سالبة بانتفاء الموضوع)  إنّما ينبغي أن يفرح الإنسان حين الوصول إلى النعيم المقيم الذي لا زوال له و لا اضمحلال (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(يونس/58).(فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ...)(آل عمران/170).

وبعد هذه المقدمة حانت لحظة الورود في قوله تعالى(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوالِ وَالأَنفُسِِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(البقرة/155-156).

يا لها من حقيقة ، أعني (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ففيها من الحسن و الجمال ما هو محيّر للعقول ! (إنّا لله ) تعني حقيقة التوبة وهي رجوع العبد إليه بعد أن رأى نفسه مستقلةً و تورّط في الأنانية التي هي الذنب العظيم الصادر من العدوّ اللدود أعني النفس الأمّارة التي بين جنبي الإنسان (أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك) .

(إنّا لله) تتجلّى في قول الإمام السجاد عليه السلام ( إِلَهِي هَلْ يَرْجِعُ‏ الْعَبْدُ الْآبِقُ‏ إِلَّا إِلَى مَوْلاه‏) .

إنّ الله الواحد القهّار عندما يُبلي العبد (بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوالِ وَالأَنفُسِِ وَالثَّمَرَاتِ) يريد أن يثبت لنا بأنّ هذه الإبتلائات إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على أنّ العبد لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا بل إنه مع جميع ممتلكاته الوهمية لله الواحد القهّار فهو الذي  يملك كافة تصرفاته.

والجدير أنّ أهم نتيجة لجملة (إنا لله ) هو سكوت العبد ، فلا مجال للإعتراض أبداً بل ينبغي له أن يصبر (و بشّر الصابرين) و هذا الأمر يكون صعباً عليه ، ولكن الذي يهوّن الخطب ويورث الفرح و السرور فيه هو :

(وإنا إليه راجعون) فهذه الجملة سوف تقنع العبد  و تفرحه  و تُرضيه و تصطفيه، و على ضوئه تعرف عمق ما ورد في حديث النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله‏ حيث قال ( إِذَا أَحَبَ‏ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلاهُ‏ فَإِنْ صَبَرَ اجْتَبَاهُ وَ إِنْ رَضِيَ اصْطَفَاه‏) مستدرك الوسائل ج‏2 ؛ ص427

و عن الصادق (عليه السلام): (قال الله عز و جل: وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ أي بالجنة و المغفرة)

وعن علي عليه السلام و قد سمع رجلا يقول: إنا لله و إنا إليه راجعون:

(يا هذا، إن قولنا: إنا لله، إقرار منا بالمُلك، و قولنا: إليه راجعون، إقرار منّا بالهلاك) و المقصود من الهلاك هنا المحوّ و اللقاء الذي هو أعلى المقامات الأخروية ... فتأمّل.

اللهم وفقنا لمعرفة (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) وارحمنا يا أرحم الراحمين .

مشهد المقدّسة – الثلاثاء 12 جمادى الثانية 1437 ، 22 مارس 2016

العبد : إبراهيم الأنصاري


فاتحة الكتاب (1 20167 20163 20161 هـ - الموافق 17 فبراير 2016

لو دنوت أنملة لاحترقت

ينبغي التوجّه إلى فاتحة الكتاب من جهتين  الأولى تبدأ من قوله (بسم الله الرحمن الرحيم) إلى قوله (مالك يوم الدين) والثانية تبدأ من قوله (إياك نعبد) إلى آخر السورة المباركة.

في المقطع الأوّل: يستعرض سبحانه لنا ساحة الخلق ثمّ يطلب منّا اتّخاذ الموقف المتناسب مع تلك الساحة العظيمة. الإستعراض يتمّ من خلال مَلك من الملائكة و هو جبرئيل و نحن عباد الله نكرّر ما نطق به روح الأمين فهو عليه السلام يبدأ باسم الله ثمّ ينطلق إلى الرحمانية و الرحيمية و يستمّر  إلى أن يوصلنا إلى يوم الدين فهو إذن قد بدأ من الأزل إلى الأبد ، و بما انّه تعالى مالك يوم الدين (لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)(غافر/16). فهو مالك جميع النشئات المتقدّمة لأنّ القيامة حاكمة على جميع النشئات فمالكيته سبحانه شاملة ، وكيف لنا أن نسلك هذا الطريق ؟ و ما هي الوسيلة التي تنقلنا إلى يوم الدين ؟

إنّها نفس الوسيلة التي انتقل بها جبرئيل وهي (الحمد لله) فهو المركب الوحيد الذي ينبغي أن يستخدم للوصول إلى المقصد النهائي .

في المقطع الثاني : يطلب منّا نحن  أن نتّخذ الموقف (إيّاك نعبد الخ).

هذا المنطق الإلهي (أعني العلاقة بين المعرفة و العمل) منتشر في القرآن الكريم نذكر مورداً واحداً فيه شبه كبير لفاتحة الكتاب ، في سورة البقرة في البداية بيّن سبحانه خلق السماوات والأرض فقال (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة/29). ثمّ (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ... الخ)

ثمّ أمر بالسجود له (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا ِلأَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ)(البقرة/34).

والآن نعود إلى فاتحة الكتاب ، لماذا قلنا أن القسم الأوّل مرتبط بالمَلائكة ؟ لأن المََلك يعرف و يتابع كلّ ما هو متواجد في المقطع الأوّل أعني (البسلة و الحمد و معرفة الرحمانية و الرحيمية و معرفة مالكية يوم الدين).  أمّا القسم الثاني فلا علاقة له بالملائكة بل هو مختصّ بمجموعتين من المخلوقات و هما الإنس و الجنّ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)(الذاريات/56). فالملائكة لا يواجهون معبوداً غير الله لينفوه و يحصروا العبادة به تعالى لأنّهم عباد مكرمون تكويناً فلا مجال لأن يقولوا (إيّاك نعبد ) .

وأيضاً لا يزاحمهم أحد في طلباتهم لينفوه و يتوجهوا إلى الله تعالى فلا يتأتّى منهم قول (إيّاك نستعين)

و كذلك إهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة ، فالنصف الثاني للعبد لا غير به يعرج إلى الإرتفاع لأنّ الصراط ممتد إلى أعلى عليين !

فنحن العبيد من البدء نتوافق مع الملائكة إلى يوم الدين ثمّ هم يبقون في مكانهم من دون حركة ، ونحن نتقدّم إلى الأمام إلى أعلى عليين ولا يمكنهم أن يلتحقوا بنا إبداً ، ففاتحة الكتاب هو المعراج بعينه كما ورد في ج 1 ص 178 أنّ جبرئيل الذي كان مع الرسول صلى الله عليه و آله و سلّم ولكن بمجرّد ما بلغ الى سدرة المنتهى انتهى الى الحجب، فقال جبريل: تقدّم يا رسول اللّه ليس لي أن أجوز هذا المكان و لو دنوت أنملة لاحترقت‏ فذهب وحبداً  حتى وصل إلى مرحلة عظيمة هي أعلى من قاب قوسين وقد بيّن ذلك سبحانه في سورة النجم (وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىفَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَىمَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)(النجم 7-15) هنا ابتعد جبرئيل و ارتفع الحبيب (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)(النجم 16-18). ولا يمكن لأمثالنا أن نتخيّل هذا المقام فضلا عن معرفته فالأفضل أن نسكت و نتدبّر و نقول (ما أدريك ما محمّد ) بل (ما أدريك ما العبد )

فهنيئاً لك أيّها الإنسان هذا المقام العظيم حيث يغبط الملائكة مقامكم فاغتنموا هذه الحياة الدنيا قبل أن يأتي يوم الحسرة .

ثمّ إن فاتحة الكتاب هي تلخيص لسير البشر من جنّة الإسماء إلى أعلى عليين و لو لا الهبوط لما كانت للفاتحة مصداقاً .. توضيحه وعلاقة الفاتحة بالتوحيد في الحلقات الآتية إن شاء الله تعالى .