• عنواننا في التلغرام : https://telegram.me/al_kawthar الإيميل : alkawthar.com@gmail.com
  • اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْن ِ (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا)

فاتحة الكتاب (1 20167 20163 20161 هـ - الموافق 17 فبراير 2016

لو دنوت أنملة لاحترقت

ينبغي التوجّه إلى فاتحة الكتاب من جهتين  الأولى تبدأ من قوله (بسم الله الرحمن الرحيم) إلى قوله (مالك يوم الدين) والثانية تبدأ من قوله (إياك نعبد) إلى آخر السورة المباركة.

في المقطع الأوّل: يستعرض سبحانه لنا ساحة الخلق ثمّ يطلب منّا اتّخاذ الموقف المتناسب مع تلك الساحة العظيمة. الإستعراض يتمّ من خلال مَلك من الملائكة و هو جبرئيل و نحن عباد الله نكرّر ما نطق به روح الأمين فهو عليه السلام يبدأ باسم الله ثمّ ينطلق إلى الرحمانية و الرحيمية و يستمّر  إلى أن يوصلنا إلى يوم الدين فهو إذن قد بدأ من الأزل إلى الأبد ، و بما انّه تعالى مالك يوم الدين (لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)(غافر/16). فهو مالك جميع النشئات المتقدّمة لأنّ القيامة حاكمة على جميع النشئات فمالكيته سبحانه شاملة ، وكيف لنا أن نسلك هذا الطريق ؟ و ما هي الوسيلة التي تنقلنا إلى يوم الدين ؟

إنّها نفس الوسيلة التي انتقل بها جبرئيل وهي (الحمد لله) فهو المركب الوحيد الذي ينبغي أن يستخدم للوصول إلى المقصد النهائي .

في المقطع الثاني : يطلب منّا نحن  أن نتّخذ الموقف (إيّاك نعبد الخ).

هذا المنطق الإلهي (أعني العلاقة بين المعرفة و العمل) منتشر في القرآن الكريم نذكر مورداً واحداً فيه شبه كبير لفاتحة الكتاب ، في سورة البقرة في البداية بيّن سبحانه خلق السماوات والأرض فقال (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة/29). ثمّ (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ... الخ)

ثمّ أمر بالسجود له (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا ِلأَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ)(البقرة/34).

والآن نعود إلى فاتحة الكتاب ، لماذا قلنا أن القسم الأوّل مرتبط بالمَلائكة ؟ لأن المََلك يعرف و يتابع كلّ ما هو متواجد في المقطع الأوّل أعني (البسلة و الحمد و معرفة الرحمانية و الرحيمية و معرفة مالكية يوم الدين).  أمّا القسم الثاني فلا علاقة له بالملائكة بل هو مختصّ بمجموعتين من المخلوقات و هما الإنس و الجنّ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)(الذاريات/56). فالملائكة لا يواجهون معبوداً غير الله لينفوه و يحصروا العبادة به تعالى لأنّهم عباد مكرمون تكويناً فلا مجال لأن يقولوا (إيّاك نعبد ) .

وأيضاً لا يزاحمهم أحد في طلباتهم لينفوه و يتوجهوا إلى الله تعالى فلا يتأتّى منهم قول (إيّاك نستعين)

و كذلك إهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة ، فالنصف الثاني للعبد لا غير به يعرج إلى الإرتفاع لأنّ الصراط ممتد إلى أعلى عليين !

فنحن العبيد من البدء نتوافق مع الملائكة إلى يوم الدين ثمّ هم يبقون في مكانهم من دون حركة ، ونحن نتقدّم إلى الأمام إلى أعلى عليين ولا يمكنهم أن يلتحقوا بنا إبداً ، ففاتحة الكتاب هو المعراج بعينه كما ورد في ج 1 ص 178 أنّ جبرئيل الذي كان مع الرسول صلى الله عليه و آله و سلّم ولكن بمجرّد ما بلغ الى سدرة المنتهى انتهى الى الحجب، فقال جبريل: تقدّم يا رسول اللّه ليس لي أن أجوز هذا المكان و لو دنوت أنملة لاحترقت‏ فذهب وحبداً  حتى وصل إلى مرحلة عظيمة هي أعلى من قاب قوسين وقد بيّن ذلك سبحانه في سورة النجم (وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىفَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَىمَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)(النجم 7-15) هنا ابتعد جبرئيل و ارتفع الحبيب (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)(النجم 16-18). ولا يمكن لأمثالنا أن نتخيّل هذا المقام فضلا عن معرفته فالأفضل أن نسكت و نتدبّر و نقول (ما أدريك ما محمّد ) بل (ما أدريك ما العبد )

فهنيئاً لك أيّها الإنسان هذا المقام العظيم حيث يغبط الملائكة مقامكم فاغتنموا هذه الحياة الدنيا قبل أن يأتي يوم الحسرة .

ثمّ إن فاتحة الكتاب هي تلخيص لسير البشر من جنّة الإسماء إلى أعلى عليين و لو لا الهبوط لما كانت للفاتحة مصداقاً .. توضيحه وعلاقة الفاتحة بالتوحيد في الحلقات الآتية إن شاء الله تعالى .