• عنواننا في التلغرام : https://telegram.me/al_kawthar الإيميل : alkawthar.com@gmail.com
  • اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْن ِ (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا)

جبل النور 20177 20173 20171 هـ - الموافق 28 مارس 2017

جبل النور : إنّ الله خلق جبلاً شامخاً غير مرأيٍّ بالعين و مدّه في طول الزمان بدلاً من رفعه في المكان كسائر الجبال ، و جعل عبادَه يتسلّقون هذا الجبل النوراني شائوا أم أبوَا .  وكلّ من أراد صعود هذا الجبل العالي من الضروري أن يمرّ بالوادي المطلّ عليه الجبل ومن ثمّ بامكانه الصعود تدريجاً حتّى يصل إلى إلى القمّة .

*الأشهر الثلاثة: إنّ الوادي الزمني الذي يطلّ عليه هذا الجبل هو شهر رجب المرجّب ، و بداية الجبل الذي يبدأ العبد من خلالها الصعود إلى ما قبل القمّة هي شهر شعبان المعظّم ، وأمّا قمّة الجبل فهي شهر رمضان المبارك . لو كانت هذه المراحل مادّية بمعني أنّها كانت في بلد من البلدان كما هو بيت الله الحرام والمشاعر المشرفة حيث تقع في مكّة و أطرافها لكان لزاماً علينا ترك أعمالنا والذهاب إلى ذلك الجبل من أجل الصعود ، ولكن بما أنّها واقعة في الزمان فكلّ واحد منّا لا محالة سيواجه هذا الجبل و يصعد عليه شاء أم أبى وذلك لأنّ الزمان متصرّم ويمرّ من دون اختيارنا نحن ، فليس في وسعنا أن نوقّف الزمان !

*المراقبة:  فينبغي أن ننتبه تماماً فلا يأخذنا النوم ولا الغفلة ولا تحجبنا الحجب، فلا ينتهي شهر رجب إلا و نحن قد اجتزنا الوادي فنبدأ بصعود الجبل فالنراقب أنفسنا في شهر رجب الذي هو شهر التوجّه إلى الأعلى  فإنّ التوفيقات الميسّرة في شهر رجب لا نشاهدها في الأشهر الماضية،  فربّ عمل يأت به العبد في شهر ربيع الثاني مثلا ولكن لم تكن لها ثمرات كثيرة ،ولكن عندما يأتى به في شهر رجب سيكون له أثر كبير في قلبه يرفعه إلى الأعلى .

*دعاء رجب :من هذا المنطلق يمكنك أن تعرف دور دعاء رجب أعني ( يا من أرجوه لكلّ خير ...يا من يعطي من سأله يا من يعطي من لم يسأله و من لم يعرفه) فبالتأمل  في مضمون الدعاء تعرف أنّ الدعاء يشتمل على العطاء العام والرحمة الواسعة لمن يعرفه ومن لم يعرفه فلا قيد ولا شرط في البين ، بعبارة أخرى لا توجد إشارات توقّفك ، بل الطريق مفتوح لك أن تتنقّل بحريّة كاملة وذلك لأنّك لم تصعد الجبل بعدُ !

*الرحمانية : وبعبارة أخرى الإسم الإلهي الذي نتعرض إليه في شهر رجب هو ( الرحمن) مع ما يشتمل عليه من السعة (الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ونظراً إلى الرحمانية لا تفاوت في الخلق أصلاً بل الأشياء كلُّها من هذا المنظار في مستوى واحد. قال تعالى:(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ... ) فشهر رجب هو شهر الرحمانيّة ، والرحمان جلّ و علا هو الذي يستقبل العباد في هذا الشهر من دون قيد و شرط.

*الصلوات الشعبانية : أمّا لو تلاحظ الصلوات الشعبانية وتتأمّل فيها ترى بأنّ الطريق قد تحدّد  والمسلك قد تضايق وهو أمر  طبيعي لأنّك حينئذٍ ستكون في حال الصعود على الجبل إلى الأعلى . لاحظ قوله في الدعاء (اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد الْفُلْكِ الْجارِيَةِ فِي اللُّجَجِ الْغامِرَةِ ، يَأْمَنُ مَنْ رَكِبَها ، وَيَغْرَقُ مَنْ تَرَكَهَا ، الْمُتَقَدِّمُ لَهُمْ مارِقٌ ، وَالْمُتَاَخِّرُ عَنْهُمْ زاهِقٌ ، وَاللاّزِمُ لَهُمْ لاحِقٌ ) فلتّخلص من اللجج لا بدّ من الركوب في سفينة نوح ومن تخلف عنه غرق  و هلك ، وينبغي أن يمشى  الإنسان خلف إمام زمانه (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(الإسراء/71). عن الصادق عليه السلام «يدعو كلُّ قرن من هذه الأمة بإمامهم»البرهان في  ج‏3، ص: 552 

* الرحيمية : ما نلاحظها في الصلوات الشعبانية هي نعم خاصة  لا ينالها إلا ذو حظّ عظيم وليس من السهل الوصول إليها ، وهي تنطلق من الرحيميّة الخاصة بالمؤمنين (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ...) فهذه المائدة ليست عامّة بل هي خاصّة وذلك لأنّه الصعود على الجبل (شعبان) لا يتيسّر للكلّ حيث فيه خطر السقوط من دون الإرتباط بالحبل المتين .

*دعاء السحر : وأمّا شهر رمضان يعني الوصول إلى قّمّة الجبل فلا رحمانية هنا و لا رحيميّة بل ما هو أعلى منهما وهو مقام القرب الإلهي . فشهر رمضان هو شهر القرب أو على حدّ تعبير الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ( ضيافة الله ).

*السائل و السالك و الضيف: تلاحظ أنّ العبد في شهر رجب المرجّب يكون سائلاً  أمّا في شهر شعبان المعظّم يكون سالكاً من خلال السفينة و أمّا في شهر رمضان يكون ضيفاً ! وهذا في الإرتفاع لا السطح ولذلك مجرّد ما تصل إلى شهر رمضان تحسّ بكلّ وجودك أنّك في أعلى الجبل و هذا الإرتفاع يصل إلى مقام القرب حيث قد فرشت مائدة سماوية هي مائدة شهر رمضان و هذه المائدة ليست عامّة بل هي خاصة .

*نصيحة : في المرحلة الأولى حيث نكون في مقام السائل ينبغي أن نكون من أحسن السائلين فليس من الصحيح أن نجتاز هذا الشهر الذي قد انتشرت فيه الرحمة الواسعة  ونحن لم نحصل على شيء من الزاد ! هذا هو الشقاء بعينه .

*أنتم الفقراء إلى الله : تصوّر متسوّل يجلس عند باب المسجد الجامع للتكدي ليلة الجمعة وهذا شغله الشاغل لو يُسأل : في هذه الليلة و هي الجمعة كم حصلت ؟ يقول : لا شيء !! تتفاجأ من هذا الجواب.

فنفس السؤال نسأل به أنفسنا ونحن (الفقراء إلى الله) هل حصلنا على شيء في نهاية هذا الشهر ؟ وهو شهر الرحمانية ؟ لو أجبنا لا ؟ تتعجّب ملائكة السماء من هذا الجواب !

*ضيافة الله : شهر رمضان ليس شهر (أنتم الفقراء إلى الله) بل شهر (ضيافة الله) فالفقير يأتي خلف الباب و الضيف يدخل في البيت وبينهما فرق كبير ، و لذلك لا يرغب صاحب البيت أن يسمع من الضيف كلاماً يستشم منه الفقر فلا يحق للضيف أن يطلب كذا و كذا ويقول أنا محتاج و فقير ووو فصاحب الدار يجيبه : لم تظهر الفقر وأنت ضيفنا !  فأفضل الأشهر هو شهر الضيافة ، كما أنّ أفضل بقاع الأرض مشاهد أهل البيت عليهم السلام ، ينبغي أن يدخلها الإنسان كضيف من الضيوف كما ورد في زيارة صاحب الأمر عجّل الله فرجه يوم الجمعة (وَاَنَا يا مَوْلايَ فيهِ ضَيْفُكَ وَجارُكَ وَاَنْتَ يا مَوْلايَ كَريمٌ مِنْ اَوْلادِ الْكِرامِ وَمَأْمُورٌ بِالضِّيافَةِ وَالاْجارَةِ فَاَضِفْني وَاَجِرْني صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطّاهِرينَ) ولذلك لا يجوز للضيف أن يحقّر نفسه في قبال صاحب البيت بل ينبغي أن يمتلك إحساساً جميلا لأنّه ضيف و ما أعظمها من صفة ! ولذلك تشاهد الطلب في دعاء السحر كلّه طلب القرب و الوصال فتطلب البهاء و الجمال و القدرة  وسائر الصفات والأسماء فالضيف يحلق بجناحي الجمال و الجلال في أسمائه تعالى و صفاته .

*معرفة السبيل : ينبغي لنا أن نعرف سبيل التعامل في كلّ شهر ، فمنطق التعامل في رجب هو السؤال من الرحمان الذي قد وسعت رحمته فشملت كلّ شيء ، وأمّا في شهر شعبان يختلف المنطق حيث يَلبس المؤمن زيّ السالك والمجال مجال الرحيميّة ،  وأماّ في شهر رمضان فالمنطق هو منطق الواصل فهو الضيف له أن يأكل حيث شاء من أين شاء من دون قيد و شرط ... إبراهيم الأنصاري - 1 شعبان المعظم 1436