• عنواننا في التلغرام : https://telegram.me/al_kawthar الإيميل : alkawthar.com@gmail.com
  • اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْن ِ (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا)

الرجوع إلى الله تعالى 20167 20163 20161 هـ - الموافق 22 مارس 2016

بمناسبة ارتحال العالم الربّاني السيد جواد الوداعي قدّس سرّه

مقدّمةً : ينبغي التأمّل في أنّ جميع المخلوقات بما فيها الإنسان و إرادته و تصرفاته وأفعاله  رَبطٌ محض بالله تعالى لا استقلالية فيها أبداً ، لاحظ قوله تعالى (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)(فاطر15-17).

فالله سبحانه و تعالى قد أوجدنا جميعاً و لم نك شيئاً فالمَلك و المالك في الأولى و العقبى هو الله سبحانه لا غير (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(الملك/1). (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُون)(المؤمنون/88).(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (المؤمن/16) فينبغي أن يكون لسان حال الإنسان دائماً هو:

(يَا سَيِّدِي فَكَيْفَ‏ بِي‏ وَ أَنَا عَبْدُكَ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ الْمِسْكِينُ الْمُسْتَكِين‏) هذا يعني العبودية المحضة لله تعالى التّي في الحقيقة هي الجوهرة الثمينة .

فمادام أنّنا لا نملك شيئاً و لا نقدر على شيء (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ...)(النحل/75). فلا ينبغي الحزن على ما نفتقده بل لا معنى للفقدان أبداً ، لأنّ المالك هو الذي يتأتى في شأنه مفهوم الفقدان و من لا يملك لا يفقد !

على ضوء ذلك نعرف معنى قوله تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)(الحديد/23،22). ركّز في نهاية الآية فأنّها تشتمل على رموزٍ كثيرة لا يعرفها إلا أولوا الألباب .

لا حظ قوم قارون و كلامهم الجميل المليء بالحكمة ! (..إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)(القصص/76).

و بالنتيجة لا معنى لا للفرح و لا الحزن  في هذا المجال أبداً ،و كما يقول المنطقيون (سالبة بانتفاء الموضوع)  إنّما ينبغي أن يفرح الإنسان حين الوصول إلى النعيم المقيم الذي لا زوال له و لا اضمحلال (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(يونس/58).(فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ...)(آل عمران/170).

وبعد هذه المقدمة حانت لحظة الورود في قوله تعالى(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوالِ وَالأَنفُسِِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(البقرة/155-156).

يا لها من حقيقة ، أعني (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) ففيها من الحسن و الجمال ما هو محيّر للعقول ! (إنّا لله ) تعني حقيقة التوبة وهي رجوع العبد إليه بعد أن رأى نفسه مستقلةً و تورّط في الأنانية التي هي الذنب العظيم الصادر من العدوّ اللدود أعني النفس الأمّارة التي بين جنبي الإنسان (أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك) .

(إنّا لله) تتجلّى في قول الإمام السجاد عليه السلام ( إِلَهِي هَلْ يَرْجِعُ‏ الْعَبْدُ الْآبِقُ‏ إِلَّا إِلَى مَوْلاه‏) .

إنّ الله الواحد القهّار عندما يُبلي العبد (بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوالِ وَالأَنفُسِِ وَالثَّمَرَاتِ) يريد أن يثبت لنا بأنّ هذه الإبتلائات إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على أنّ العبد لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا بل إنه مع جميع ممتلكاته الوهمية لله الواحد القهّار فهو الذي  يملك كافة تصرفاته.

والجدير أنّ أهم نتيجة لجملة (إنا لله ) هو سكوت العبد ، فلا مجال للإعتراض أبداً بل ينبغي له أن يصبر (و بشّر الصابرين) و هذا الأمر يكون صعباً عليه ، ولكن الذي يهوّن الخطب ويورث الفرح و السرور فيه هو :

(وإنا إليه راجعون) فهذه الجملة سوف تقنع العبد  و تفرحه  و تُرضيه و تصطفيه، و على ضوئه تعرف عمق ما ورد في حديث النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله‏ حيث قال ( إِذَا أَحَبَ‏ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلاهُ‏ فَإِنْ صَبَرَ اجْتَبَاهُ وَ إِنْ رَضِيَ اصْطَفَاه‏) مستدرك الوسائل ج‏2 ؛ ص427

و عن الصادق (عليه السلام): (قال الله عز و جل: وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ أي بالجنة و المغفرة)

وعن علي عليه السلام و قد سمع رجلا يقول: إنا لله و إنا إليه راجعون:

(يا هذا، إن قولنا: إنا لله، إقرار منا بالمُلك، و قولنا: إليه راجعون، إقرار منّا بالهلاك) و المقصود من الهلاك هنا المحوّ و اللقاء الذي هو أعلى المقامات الأخروية ... فتأمّل.

اللهم وفقنا لمعرفة (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) وارحمنا يا أرحم الراحمين .

مشهد المقدّسة – الثلاثاء 12 جمادى الثانية 1437 ، 22 مارس 2016

العبد : إبراهيم الأنصاري