التعاشق المقدّس ! 20197 20193 20191 هـ - الموافق 24 مايو 2019
ملفات مضغوطة ذات ثقل كبير تشتمل على آلاف الملفات نزلت من عالم الكلمات مرورا بعالم السور والآيات ملقاة على قلب الرسول محّمّد صلى الله عليه وآله في ليلة مباركة فظهرت في صورة مرئية بحروف مقروءة بلسان عربي مبين، ولكن لابد منها أن تُفتح وتنفك، فيا ترى من يتمكَّن من أن يفكّها؟
وهل لغير الله القدرة على ذلك (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(الملك/14). (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(هود/1). لاحظ العجب في صنع الله ، فهو تعالى خلق آدم ثمّ أضافه إلى نفسه( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)(الحجر/29). وجعله ممثلاً له، و بتعبير أفضل جعله خليفته في الأرض يستخلفه فيحقّق نواياه فهو مرآة صافية تنعكس فيه الأسماء و الصفات بحيث من أراد الله عليه أن يتوجّه إلى الإنسان غير المشوب بالأمور الدخيلة وهم المعصومون عليهم السلام ، وبذلك تنحل العقدة!
وأمّا الربّ يخاطب عبده بنحو يثير أحاسيسه و يهيّج عواطفه فيستنطقه ويريد من عبده أن يتبادل معه الإحساس ويظهر ما تلّقاه من الربّ بنفس الأسلوب الذي وصل إليه ، أسلوبا مفعماً بالحب و الرأفة و الحنان ! فما أجمل هذا التعاشق بين الربّ و عبده و بين الربّ وعبده ، بين حضيض الفقر و منتهى الغنى ، بين نهاية الذل و منتهى العزّ ! كذلك يتجلّى معنى الدعاء خصوصا في ليلة نزول القرآن أعني ليلة القدر.
هل لاحظت الأمهات وهن يتحدثن مع أطفالهنّ بلطافة و دلع و ينتظرن من الطفل في لحظتها أن ينطق بكلمات ذات نفس الإحساس و النبرات و نفس اللحن و السياق ولكن بتفصيل و إطناب !
هكذا يريد منك ربّك ، فهو يخاطبك في جملة واحدة:
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(فاطر/15).
وأنت تردّ عليه:
(سَيِّدي اَنَا الصَّغيرُ الَّذي رَبَّيْتَهُ ، وَ اَنَا الْجاهِلُ الَّذي عَلَّمْتَهُ ، وَ اَنَا الضّالُّ الَّذي هَدَيْتَهُ ، وَ اَنَا الْوَضيعُ الَّذي رَفَعْتَهُ ، وَ اَنَا الْخائِفُ الَّذي آمَنْتَهُ ، وَ الْجايِعُ الَّذي اَشْبَعْتَهُ ، وَ الْعَطْشانُ الَّذي اَرْوَيْتَهُ ، وَ الْعاري الَّذي كَسَوْتَهُ ، وَ الْفَقيرُ الَّذي اَغْنَيْتَهُ ، وَ الضَّعيفُ الَّذي قَوَّيْتَهُ ، وَ الذَّليلُ الَّذي اَعْزَزْتَهُ ، وَ السَّقيمُ الَّذي شَفَيْتَهُ ، وَ السّائِلُ الَّذي اَعْطَيْتَهُ ، وَ الْمُذْنِبُ الَّذي سَتَرْتَهُ ، وَ الْخاطِئُ الَّذي اَقَلْتَهُ ، وَ اَنَا الْقَليلُ الَّذي كَثَّرْتَهُ ، وَ الْمُسْتَضْعَفُ الَّذي نَصَرْتَهُ ، وَ اَنَا الطَّريدُ الَّذي آوَيْتَهُ).
يا حبيبي : هنا تعرّف على إمامك زين العابدين عليه السلام و تلطّفه بك أيها الفقير ، فالله سبحانه يوجّه الخطاب إلى وليّه الإمام عليه السلام خاصة ويلقّنه ويستمع إليه و يُصغي إلى ردّه من خلال الدعاء ، وأنا و أنت حيث حجبتنا الذنوب عن الربّ فلا محلّ لنا من الإعراب أبداً ، ولكن : بما أنّ إمامنا هو الذي سمح لنا بقراءة الدعاء فنتشبه به سلام الله عليه بكلمات لا تخصنّا فنتوافق معه فنكون من حزبه (واجعل دعائنا به مستجاباً)، وبهذه الحيله، الباري تعالى حيث يستمع إلى من حمده و أثناه حقيقة و أصالة سيستمع إلي أنا العاصي الكاذب أيضاً ويمنحني الجوائز الثمينة و الهدايا الجسيمة ، و كلّ هذه الإستحقاقات إنّما هي بسبب أنني نطقت بما نطق به إمامي لا غير . فيا لها من نعمة عظيمة ينبغي أن نستغلها قبل فوات الأوان.
أسئلكم الدعاء
إبراهيم الأنصاري
الجمعة 18 شهر رمضان 1440
الساعة 9:15 صباحاً
البحرين - المنامة – جبلة حبشي