التعرض للنفحات المهدوية (الحلقة الثانية) 20197 20193 20191 هـ - الموافق 04 يناير 2019
أقول :
إنّ الله سبحانه هو الذي يجيب على هذا السؤال في قوله :(أقم الصلاة لذكري) فماذا يعني الذكر؟
للذكر درجات ، أقلها المعنى المعروف و لكن ليس لهذا المعنى ثمرة كبيرة ، الدرجة العالية للذكر هي أن ينطلق الإنسان إلى (المحضر الربوبي) فذكرُ الله يعني أن يرى المؤمن نفسه بين يدي ربّه كأنّه يراه .
تقول لصديقك أنا عشر سنوات أذكرك و لا أنساك يقول لك :
بدلاً من أن تذكرني ، لماذا لم تزرني و لو مرة واحدة، ليتحقق الذكر من خلال اللقاء الحضوري؟
والمصداق البارز للذكر وهو الحضور يتحقق في الصلاة فهو أفضل آلية للقاء المعشوق و الحضور في محضره (أقم الصلاة لذكري) .
هذا و للحضور لدى المعشوق آثار كبيرة وثمرات عظيمة فمثلا كلما تزور عالماً ربّانياً تلاحظ أنّ علم العالم يجري إليك و صفاته تنتشر نحوك وأخلاقه وحالاته تترشح إلى روحك. فكيف بالحضور لدى ربّ العالمين ففيه بركات عظيمة لا يعلمها إلا الله تعالى .
ولو لاحظت آية النور لرأيت فيها آيتين إحداها قد ورد فيها (ذكر الله) وهي قوله :(رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)(النور/37). والأخرى (ذكر اسم الله) و هي: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ)(النور/36).
وقد ورد في الحديث عن أبي عبد الله: نحن والله الأسماء الحسنى.
فذكر أهل البيت هو ذكر اسم الله تعالى (محضر أهل البيت عليهم السلام) فتعال معي لننطلق إلى الطريق الذي يوصلنا إلى محضر أهل البيت عليهم السلام ، فحينئذٍ ليس من الضروري أن تشاهد جسم الإمام عليه السلام أو تسمع صوته، بل ينبغي أن ترفع الموانع الروحية كي تحس بأنّك في محضر الإمام المهدي روحي فداه، وتنسجم مع روح الإمام ليتحقق لديك مفهوم (أرواحكم في الأرواح) ففي عالم الأرواح لا صوت و لا صورة ولا شكل و لا رسم بل المقام أجلّ و أعظم من ذلك، كتواجدك في محضر الشمس من دون أن ترى الشمس، ففي فصل الشتاء حينما تحسّ بالبرد تذهب إلى خارج الغرفة فتجلس في محضر الشمس، فكل لحظة و أنت معرّض نفسك لضوء الشمس تحسّ بأنّ حرارتها قد أثّرت في وجودك بحيث تدرك ذلك وكأنّك تسبح في نورها، فالآثار الإيجابية لنور الشمس هي أدلّ دليل على أنّك متواجد في محضرها، فلا تبحث حينئذٍ عن الشمس و لا تفكّر في رؤيتها .
هذا : وحينما تكون في محضر الإمام المهدي عجّل الله فرجه فكأنّك متواجد في محضر ربّك سبحانه ، إحساسك حينئذٍ لا يوصف ، تشاهد بكلّ وجودك بأنّ التزكية و الطهارة تتنزّل عليك كالمطر فتزيل منك الأرجاس و الأنجاس و التعلقات المادية ، فتعيش في حالة روحانية تشعر بالتغييرات التي تحصل في وجودك و أنت في محضر الإمام فتتحوّل من حالة سوء إلى أحسن حال وتتحقق مصداقية الدعاء(غيّر سوء حالنا إلى حسن حال).
كما أنّك تشعر بالفيوضات الربانية التي تتوجّه إليك فتتحقق فيك بعد أن تزال الحجب الظلمانية عنك ، لا ترى الله ولكن تحس بألوهية الله لا ترى المهدي و لكن تدرك هداية المهدي ، كلّ ذلك يتمّ في الصلاة ، ولذلك تشتاق إلى تطويل الصلاة ليطول تواجدك في محضر الله و محضر الإمام المهدي روحي فداه .
فذكر اسم الله هي النافذة التي من خلالها نقع في محضر الله كالنافذة التي تفتحها كي يصل إليك نور الشمس ، وكونك في محضر النافذة هو نفس كونك في محضر نور الشمس لا غير، فكلاهما يقعان في مسير واحد .
فالمسير للوصول إلى الله هم أهل البيت عليهم السلام بحيث أنّ الرسل ايضا لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا من خلال أهل بيت العصمة و الطهارة عليهم السلام .
ندعوا الله أن يمنحنا هذه النعمة العظيمة التي لا نعمة أعظم منها بحق ولي النعمة إمامنا صاحب الأمر عجّل الله فرجه .