• عنواننا في التلغرام : https://telegram.me/al_kawthar الإيميل : alkawthar.com@gmail.com
  • اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْن ِ (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا)

السلوك التنزيهي 20197 20193 20191 هـ - الموافق 01 يناير 2019

السلوك التنزيهي:

يرمي قطرات من الماء في البحر فيقول: أنا قد أضفت شيئا من الماء على مياه البحر ويفتخر بذلك و يتباهى وهو من الفرحين المسرورين!  كم يستحق أن ينسب إلى هذا الرجل من العقل؟ إنّه الأحمق بعينه!  ماذا فعلت يا هذا ؟

هكذا في سائر الحركات و التصرفات و ما نسميها بالإنجازات ، يا عزيزي لا تظننّ أنّ لك دوراً في تحريك ساكن في هذا الكون، فأترك الأنانية و تخلّى عنها وتوّجه إلى خالقك الذي خلق كلّ شيء و أتقنه.

وهذا هو أفضل طريق للسير و السلوك إلى الله تعالى،  بمعنى أنّ الإنسان لا يرى لنفسه محلا من الإعراب أبداً فحينئذٍ سوف يكون لسان حال نفسه ( إلهي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً ) وهذا لا يعني أنّه يتخلّى عن الرؤية الإيجابية بالمرّة ، كلا ! بل رغم رؤيته الإيجابية و عدم يأسه من رَوح الله إلا أنّه لا يرى لنفسه أيّةَ استقلالية، ولا يعظم أفعاله مهما كبرت ويترك الأمر إلى ربّه فهو الذي يعظمها رغم صغرها و يثيب عليها رغم عدم استحقاقها للثواب.

أهم آثار هذا النوع من السلوك هو أن ينشرح الصدر للإسلام بحيث يتقبل القيم الدينية و يتعبّد بها ولا يقلل من شأنها (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ...)(الزمر/22).

إنّ أبرز صفة للسالك هنا هو الاتكاء على الجانب التنزيهي أعني النفي ( لا أتمكن ، لم أتمكن ، لم أفعل ، لا أفعل ، ليس هذا منّي ...) وهذا النمط من السلوك هو الذي أوصل الإمام الخميني رضوان الله عليه إلى تلك المنزلة وذلك القرب إلى الله، فهو رضوان الله عليه كان على نور من ربّه ، لاحظ ماذا يقول :

(من المؤسف جداً آلاف المرات أنّي قدمت إلى هذا العالم وأنا مستغرق في بحار هوى النفس، وملتصق بالأرض المادية، ومقيّد بالشهوات وأسير للبطن والفرج، وغافل عن عالم مُلك الوجود، وسكران بسكر الأنانية والذاتية. من المؤسف أني سأفارق هذا العالم، ولم أدرك شيئاً من محبّة الأولياء، ولم أفهم شيئاً أبداً من جذباتهم وجذواتهم ومنازلهم ومغازلاتهم، بل كان حضوري في هذا العالم حضوراً حيوانياً، وحركاتي حركات حيوانيةً وشيطانية. وعليه فسيكون موتي أيضاً حيوانياً وشيطانياً. اللهمّ إليك المشتكى وعليك المعوّل).

و رغم عمق رؤيته التفسيرية يقول : (إن تفسير القران ليس من المهام التي يستطيع أمثالنا أداء حقها)

لاحظ كيف يبعد عن نفسه كلّ المحسّنات والإنجازات، بخلاف البعض الذي ينسب كلّ خير إلى نفسه ويعتقد أنّ الخير قد تحقق بإرادته و عزمه وهو جاهل بالجهل المركّب .

فهذه الكلمات لم تصدر من الإمام ره  من باب المجاملة كما يتصوّر البعض،  بل هي حقيقة انبعثت من باطن روح هذا العارف الرباني .

كما أنّ هذا ليس من باب اليأس و النظر السلبي للأعمال ،  بل كانت نظرته إيجابية و نفسه مطمئنة إلا أنّه كان ينطلق إلى الله من خلال ترك الأنانية، وبذلك تمكن من فتح الطريق إلى الله لا لنفسه و أصحابه بل للمسلمين كافة،  واستطاع أن  يكتسب النور من الملكوت الأعلى و أن ينشره في أرواح المؤمنين ، هذا البصيص من النور الذي أصاب المؤمنين من خلال ذلك الروح الراقي للإمام  كان أثره الثورة الإسلامية المباركة بجميع أبعادها و زواياها وهي أول مرحلة من سطوع النور الإلهي على الأمّة ، ولن يتوقف النور في هذه المرحلة بل هو في حال الانتشار، وفي هذه المرحلة من دون واسطة الفقيه بل من خلال السعي نحو الإمام الحسين عليه السلام في زيارة الأربعين، وهو بعينه استمرار للسلوك التزيهي المتجلي تماماً في هتافات عشّاق أبي عبد الله عليه السلام (حياتنا حسين ، مماتنا حسين) فهم لا يرون في  أنفسهم أيّةَ أنانية أبداً سوى حبّ أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وهذا هو القمّة في التنزيه الذي ورد في الزيارات ،  لاحظ هذا المقطع من الزيارة الجامعة الكبيرة (طَأطَاَ كُلُّ شَريفٍ لِشَرَفِكُمْ، وَبَخَعَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطاعَتِكُمْ، وَخَضَعَ كُلُّ جَبّارٍ لِفَضْلِكُمْ، وَذَلَّ كُلُّ شَىْءٍ لَكُمْ، وَاَشْرَقَتِ الاْرْضُ بِنُورِكُمْ) ثمّ تمعن في قوله (بِأَبِي أَنْتُمْ وَ أُمِّي وَ نَفْسِي وَ أَهْلِي وَ مَالِي ).

رزقنا الله و أيّاكم ترك الأنانية بخلع نعلي الدنيا للوصول إلى الوادي المقدس طوى .

إبراهيم الأنصاري

البحرين، جبلة حبشي

24 ربيع الثاني 1440

1/1/2019

الساعة 11 مساءً