أطفال المدينة الغريبة - 1 20167 20163 20161 هـ - الموافق 26 يناير 2016
إنّ الدنيا للمؤمنين ليست محلا للرفاهية و الأمن فمثل الدنيا كمثل حارة فيها ثُلة من الصبية الصغار الذين قد تيتم بعضهم ، يلعبون في أزقتها يملؤُهم مرحُ الطفولة و ضحكات البراءة إلا إنهم وبمجرّد أن تعلو أصواتهم حتى يخرج أحدهم رأسه من نافذة منزله صارخاً في وجههم بقوله : ابتعدوا من هنا، لماذا تلعبون و تسبّبون ازعاجي؟! أو ليس لديكم آباءٌ و أمهات؟ انصرفوا إلى بيوتكم !
فيبتعدون و يذهبون إلى جهة أخرى وما إن يشرعوا باللعب حتى يَنهرُهم شخصٌ آخر فيَصبّ الماء على رؤوسهم و يُسمعهم الشتائم والسباب مبعداً إياهم عن ذاك المكان! فيلتجأون إلى مكان آخر ليستقبلهم صاحب ذاك البيت أيضاً بالسبّ و يرميهم بالحجارة ، مما يضطرهم إلى الاحتماء بمكان آخر و يستمر بهم الحال على هذه الوتيرة ! حيث لا يجدون مكاناً ليستقرّوا فيه ، فيتملكهم الحزن و الخوف فلا يوجد من أحدٍ ينظر إليهم بعين الرحمة و العطف و الحنان وإنما تطاردهم نظرات الغضب و أكفّ الزجر والقسوة. أولئك الأطفال قد أنهكهم التعب وهم جياع و عطاشى يبحثون عن ملجأ و مأوى !
إلى أن يصلوا إلى حائط بيت كانوا يظنونه خالياً من السكنى فينتهزون الفرصة ليلعبوا إلى جانبه وهم في أوج السعادة والفرح فإذا بباب البيت قد انفتح ، فيتفاجأ الجميع وإذا بإمرأة متحجّبة ساترة وجهها واقفة على عتبة الباب !
يتسمرون في أماكنهم مترقبين فعلَها وموقفًها تجاههم متسائلين :
هل ستصب الماء على رؤوسنا !
أم ستبعدنا من هذا المكان وعندها إلى أين نلتجئ !
فإذا بها تخاطبهم :
عندما تلعبون خارج البيت سيؤذونكم الناس؛ هلّموا جميعاً إلى داخل البيت فإنّه وسيع ، والعبوا هنا فليس في البيت أحد غيري يزاحمكم ، تعالوا لأ أؤنسكم بالقصص الماضي والمستقبل و ما جرى عليّ! فينظرون إليها وهم ما بين الخوف و الرجاء ولكنهم يشعرون أنّها صادقة !
فيدخل الطفل الأول و يتبعه أصدقاؤه.. فتأخذهم إلى ساحة البيت ثمّ إلى حوض الماء و تقول : اغسلوا و جوهكم ها هنا و بمجرّد أن تنتهوا سأكون قد جهزت الطعام لكم.
فيأتي الأطفال إلى الماء فيغسلون وجوههم وهي تنظر إليهم، فإذا بطفل صغير لا يعرف كيف يغسل وجهه ، فتأتي تلك المرأة الحنون إليه فتغسل له وجهه بيدها اللطيفة بلطف وحنان وكأنّ الماء ينبعث عنه النور !
أولئك الأطفال لا يصدّقون ما يجري؛ لأنّهم لم يروا في تلك الحارة إلا السب و الشتم و الضرب و الرشق بالحجارة و صبّ القمامة. وهاهم الآن يجدون الحنان و اللطف والمحبّة والرحمة .
شيئاً فشيئاً يزول الخوف من قلوبهم فيتعلّقون بها فتأتي و تفرش المائدة و تضع أنواع الأكل و الشراب فيها و تدعو الأطفال ليأكلوا ، و أثناء تناولهم الطعام تقصّ عليهم قصصاً جميلة و تتحدّث عن محبّة الله و تحكي عن الماضي و المستقبل ، كلامُها في غاية اللطف و السلاسة و الرَخامة إذ أنّها وبمجرّد أن تتحدّث عن الماضي كأنّها تنقلهم إلى الماضي و عندما تذكر المستقبل تأخذهم إلى المستقبل و كأنّهم يعيشون هناك !
هؤلاء الأطفال عاشوا الغربة حيث ما من أحد يعتني بهم أبداً بل لم يكونوا يعتبرونهم كسائر الناس فلم يعترفوا بهم .
هذه السيدة هي الوحيدة التي تحترم كيانهم و ترى لهم شأناً و منزلةً و تحبّهم و تتودّ إليهم فهم ينظرون إليها وكأنّهم يعيشون في عالم من الخيال ، لأنّهم لم يعرفوا مفهوم الحبّ والودّ و الشفقة و الحنان من قبل!
فمثل الشيعة في هذه الدنيا مثل هؤلاء الأطفال ، دائماً يعيشون الخوف و يذوقون الأذى من المشركين و الطغاة و الفسقة و حتى من المسلمين ! فأين يلتجأون و ما هو الحلّ الأمثل للتخلص من الهموم و العيش في أجواء آمنة وما عساهم أن يفعلوا ليدخلوا في بيت سيدة نساء العالمين فتنظر إليهم و تحتضنهم ؟
تابع معنا الحلقة الثانية غدا إن شاء الله ... إبراهيم الأنصاري ... مشهد المقدّسة