الرشد و الرفعة : 20177 20173 20171 هـ - الموافق 28 أكتوبر 2017
الرشد الحسيني (الحلقة الثانية):
ينبغي للإنسان أن يتطهّر كي يتمكّن من التنعم بالنعم التامّة حيث أن التطهير من الأرجاس و الأوساخ يخفف الروح فيرتفع إلى الأعلى ، فإذن جميع تعاليم الدين إنّما شرعت من أجل تخفيف الروح ليرتفع إلى الأعلى ليستفيد من النعم الإلهية هناك .
وعليه نقول بأنّه سبحانه يريد أن يتمّ نعمه على الإنسان في هذه الدنيا فيشرّع له الأحكام التّي تطهّره ليحلق في السماء و لا علاقة للموضوع بالآخرة أبداً .
فالأنبياء و الرسل كانوا يواظبون كثيرا على الدينيات حتى يتطهّروا فيحلقوا في السماء و من ثمّ كان يأتي جبرئيل و يهديهم إلى كربلاء ليتنعمّوا وربّما كان جبرئيل يصاحبهم في السفر إلى أرض الطف و نشاهد أنّه عليه السلام كان يذكّرهم بمصاب سيد الشهداء عليه السلام.
فمشكلتنا نحن هي أنّنا نؤدّي الواجبات و نجتنب عن المحرمات لغرض رفع التكليف لا غير لا لغرض التطهير من الأرجاس ، ولذلك عندما ندخل في حريم أهل البيت عليهم السلام و نزورهم فنكتسب الزيارة الصرفة و لا حظ لنا من النعم التامّة .
فالمتديّن حقيقة هو الذي يؤدّي التكاليف ليتطهّر و يكتسب النعم التامّة الإلهية.
طبقا للآية المباركة في سورة الأعراف و هي (.. وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ...)(الأعراف/157). والأغلال هي حصيلة الأعمال التي تحدد الإنسان و تقيّده، ولذلك نحن جميعاً مديونون للرسول الأعظم صلى الله عليه و آله وسلّم .
إنّ الله سبحانه يزيل تلك الأغلال من خلال وسائل وهي :
دعاء الرسول صلى الله عليه وآله واستغفاره للمؤمنين ، والعمل طبقاً لسنّته صلى الله عليه وآله ، والذهاب إلى حرمه و حرم الأئمة عليهم السلام وهي نعمة جسيمة شاملة لا تحدد بالزمان بل تشمل كافة الأزمنة .
الأنبياء عليهم السلام لم تكن لهم وسيلة للعروج و الرفعة واكتساب النعم سوى العمل بالدينيات كالصلاة والصوم ولكن مع ذلك كانوا يتوجّهون نحو نعمة أصيلة ليتنعموا بها ألا وهي كربلاء فحسب الأحاديث الكثيرة كانوا ينطلقون إلى كربلاء والحسين عليه السلام لم يولد بعدُ !
وأمّا عامّة الناس فلم تكن لديهم هذه الوسيلة السهلة للرشد والرفعة فكم كانوا يعانون! أمّا نحن أمّة رسول الله فجعلت لنا هذه البيوت لندخل فيها ونتنوّر بالنور المعنوي بعد أن نكسر كافة القيود المادية وغيرها فنرتقي إلى السماوات العليا بل إلى أعلى عليين، فلا يمكن تقييم هذه النعمة العظيمة أبداً! وهذا هو السرّ في الدعاء في السجدة بعد زيارة عاشوراء (اللهم لك الحمد حمد الشاكرين على مصابهم.. الخ).
وهذا الأمر شامل لجميع أهل البيت عليهم السلام إلا أنّ مصباح الإمام الحسين عليه السلام أشدّ نوراً وسفينته أوسع نطاقاً.
من هذا المنطلق نعرف السرّ في هذا القدر من الثواب لخصوص زيارته عليه السلام والمشي على الأقدام قاصداً حرمه وحتى الارتباط القلبي به والتوجه إليه ،و نعرف السبب لاهتمام الأنبياء و الرسل بالإمام الحسين عليه السلام و بأرض كربلاء وتحمّل عناء السفر إلى تلك الأرض المقدّسة.
الرسل عليهم السلام هم أبرز مصداق (السابقون السابقون) حيث استبقوا سائر الناس في التوجّه إلى زيارة أرض كربلاء و لم تمنعهم الحجب من الوصول إلى تلك النعمة الإلهية ، بل كانوا أصحاب عزم و اهتمام للوصول إلى هذا الكنز الإلهي المتواجد في أرض الطف ... طوبى لهم !
نشكر الله أن يسّر لنا ببركة رحمة للعالمين هذا الطريق و سهّل لنا الوصول إلى الرشد .
نطلب من الله أن يمنحنا ما منح الرسل و ينعّمنا ما تنعمّ به الأنبياء (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)(آل عمران/194).
الأربعين :
في هذا الزمان أعني الأربعين قد أذن الله للجميع من دون استثناء سواء الملتزمين بالشريعة أو غيرهم أن ينطلقوا نحو كربلاء فيتطهّروا و يرتفعوا من خلال البيوت السامية ليصلوا إلى رشدهم .
والدليل على ذلك هو ما يحسّ به زوّار الإمام عليه السلام، فلسان الحال لجميعهم هو: (أنّ أجسامنا على الأرض السفلى و أرواحنا في السماوات العلى) .
والكل يتساؤل عن ذلك ويقول في نفسه (ما هو هذا الإحساس الجميل الروحاني؟ ) والجواب هو : نتيجه التوجّه نحو الإمام الحسين عليه السلام وزيارة حرمه المطهّر حيث يمسك عليه السلام بيد الكلّ فيرفعهم إلى الأعلى .
فنطلب من الله تعالى و نقول :
إلهنا و سيدنا نحن المقصّرون في العمل بالشريعة ونحن المعترفون بالتهاون و التكاسل تجاه التكاليف ، إلهنا جعلت حرم الإمام الحسين عليه السلام لنجاة المقصّرين المذنبين ونحن منهم فخلصنا من الذنوب القاصمة للظهر وارفعنا إلى سماواتك معتصمين بحبل من الناس وهو شهيد كربلاء و خلصنا به من جميع الآفات سالمين غانمين يا ربّ العالمين.