أبعاد الواقعة : 20187 20183 20181 هـ - الموافق 03 أكتوبر 2018
إنّ لواقعة عاشوراء أبعاد أربعة:
البعد الأوّل هو البعد الظاهري الدنيوي فكان هناك صراع ظاهري بين جيشين ، هاشمي و أموي و حدث ما حدث من الظلم و الطغيان و القتل و السلب ما أبكت جميع الكائنات .
البعد الثاني هو في عالم الذر ، فجميع المؤمنين من الناس كانوا وهم في ذلك العالم يرغبون أن يتواجدوا في كربلاء كي يدافعوا عن إمامهم فلا شك بأنّ عالم الذر له إشراف كامل على الدنيا كما ثبت في محلّه ، ولذلك نقول (يا ليتنا كنت معكم فنفوز فوزاً عظيماً) هذا لسان قلب المؤمن حقاً بلا مبالغة أو كذب و حاشا للإمام أن لا يجيبك ، فمتى سيجيبك ؟ في الرجعة إن شاء الله فتكون من جملة أنصاره المنتصرين له المستشهدين بين يديه. كما أنّك عندما كنت في ذلك العالم قد شاهدت قلوب طرفي الصراع وصفاتهما ونواياهما وحالاتهما، لأنّ الأرواح لا ترى الإ الصفات الباطنية الروحية من دون الأجساد ، وأنت عندما كنت روحاً متواجداً في ذلك العالم أعني عالم الذر رأيت الصفات السبعية في جيش عمر بن سعد هي نفسها التي صرّح بها سيد الشهداء حيث قال : (كَأَنِّي بِأَوْصَالِي يَتَقَطَّعُهَا عُسْلانُ الْفَلَوَاتِ بين النواويس و كربلاء).
والجدير بالذكر أنكّ تقول في الزيارة الرجبية و الشعبانية مخاطباً سيد الشهداء عليه السلام (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ عَدَدَ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ لَبَّيْكَ دَاعِيَ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغَاثَتِكَ وَ لِسَانِي عِنْدَ اسْتِنْصَارِكَ فَقَدْ أَجَابَكَ قَلْبِي وَ سَمْعِي وَ بَصَرِي سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا ) هذا أدّل دليل على أنكّ كنت حاضرا في الواقعة و شاهداً عليها و أيضا في زيارة أخرى تقول (أَتَيْتُكَ مُجَدِّداً اَلْمِيثَاقَ فَاشْهَدْ لِي عِنْدَ رَبِّكَ أَنَّكَ أَنْتَ اَلشَّاهِدُ ) كلّ ذلك دال على أنّك قد عاهدت إمامك في عالم الميثاق بأنّك معه لا مع غيره وجأت لزيارته لتجديد الميثاق .
والأرواح الخبيثة خصوصاً بنو أميّة أيضاً كانوا حاضرين في عرصة كربلاء يشجعون الجيش الأموي ، وهذا هو من الأسباب التي جعلتنا نلعن السابقين و اللاحقين جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة ( اللهم العن بني أميّة قاطبة).
البعد الثالث: هو الجانب البرزخي ، فجميع الأرواح من الأنبياء و الصالحين التّي ماتت قبل واقعة الطف و انتقلت إلى الجسم البرزخي قد تواجدوا في عرصات كربلاء ولم تفتهم تلك الفاجعة العظمى لأنّهم كانوا مشتاقين إلى الوصول إلى أرض كربلاء قبل الحادثة فكيف لا يأتون ولديهم الحريّة الكاملة في الإنتقال .
البعد الرابع : جنّة كربلاء : رسول الله و هو في الجنّة كان يشاهد ابنه الإمام الحسين و أولاده و أصحابه كيف يدافعون عن حريم الإسلام ، كما أنّ مهمّته في الجنّة كانت السقاء أعني إرواء عطش الإمام الحسين و ابنه علي الأكبر و ربّما سائر الشهداء ومن أجل ذلك أقول: أن أشبه الناس بالرسول علي الأكبر لم يسقط على الأرض ، بل سقط في حضن جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولذلك قال :(أبتاه هذا جدي رسول الله صلى الله عليه و آله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا و هو يقول العجل العجل فإن لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة).
كما أنّه عندما أخذ الإمام الحسين الطفل إلى الميدان و هو عطشان خاطبهم
(يا قَومِ ، إن لَم تَرحَموني فَارحَموا هذَا الطِّفلَ، فَرَماهُ رَجُلٌ مِنهُم بِسَهمٍ فَذَبَحَهُ، فَجَعَلَ الحُسَينُ عليه السلام يَبكي ويَقولُ: اللّهُمَّ احكُم بَينَنا وبَينَ قَومٍ دَعَونا لِيَنصُرونا فَقَتَلونا. فَنودِيَ مِنَ الهَوا: دَعهُ يا حُسَينُ؛ فَإِنَّ لَهُ مُرضِعاً فِي الجَنَّةِ.) تذكرة الخواص، سبط این جوزی، ص ٢٥٢
فالمرضع في الجنّة كأنّها كانت تنتظر الطفل لترضعه !
وأمّا الإمام الحسين عليه السلام فسقط في حضن أمّه السيدة الرضية المرضية ، وجاء الخطاب من الله سبحانه (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي )(الفجر27-30).
مشهد المقدسة
22 محرّم 1440
إبراهيم الأنصاري البحراني