أروع حماس بالإطلاق : 20187 20183 20181 هـ - الموافق 03 أكتوبر 2018
بما أنّ الأنبياء بأجسادهم قبل الواقعة و أيضا بأرواحهم حين الواقعة وبعدها قد حضروا لزيارة كربلاء المقدّسة ، فهناك مهام مشتركة بينهم و أيضاً كلّ نبي له مهمّة تختص به حسب التكليف الإلهي فآدم عليه السلام بالتأكيد تختلف نظرته في كربلاء عن النبي نوح عليه السلام ، لأنّ آدم قد تخلّص من معظلة عظيمة ببركة اسم الإمام الحسين عليه الإسلام حينما نطق به و قال (يا قديم الإحسان بحقّ الحسين) وهكذا كلّ من الأنبياء و الرسل حسب ارتباطهم به عليه السلام .
ومن ناحية أخرى جميع الملائكة تريد أن تتعرف على فلسفة خلق الإنسان وكانت تنتظر الجواب الميداني من الله سبحانه حيث قال (إنّي أعلم ما لا تعلمون) وكانت تترصد الحوادث و تتخلل صفوف الأنبياء كي تعثر على الجواب المناسب للغز الخلق به تتخلص من الإنتظار الصعب ! و لكن لم تعثر على جواب يشفي الغليل حيث شاهدت الأمم الظالمة التي كانت تحارب الرسل وتقتلهم وبالنتيجة يأتيهم العذاب الإلهي فيهلكهم كما فعل بقوم نوح و عاد و ثمود.
لم تخرج تلك الحوادث جملة و تفصيلا ، رغم تراكمها ، من ذاكرة الملائكة، ولكن رغم ذلك بقيت حادثة واحدة من بين الحوادث تحتل الصدر و هي ما تختص بالنبي داوود ، (..َقالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ ...)(البقرة/249). فهنا لم يخرج جنوده من هذا الإبتلاء سالمين بل منكسي الرؤوس : لأنّهم شربوا أكثر من غرفة . ربّما كانت بالفعل مهمّةٌ قد كلّف بها طالوت وهو قائد جيش داوود المَلك عليه السلام، لها علاقة بالمستقبل حيث يتحقق هذا الإبتلاء في صورته الأصعب بنهر الفرات .
هذا : فلنذهب إلى كربلاء في ليلة عاشوراء و نركّز على ما حدث هناك ، لا شك أنّه لم يطلق على العباس (أبو الفضل) إلا لأنّه يمتلك أعلى الفضائل الربانية ، التي من أهمّها ما وصفه بها الإمام السجاد حيث قال :( كان عمّي العباس بن علي عليه السلام نافذ البصيرة صلب الإيمان) ولذلك كان هو بواب الإمام الحسين عليه السلام يستقبل ببصره الأشخاص القادمين لنصرة الإمام كحبيب بن مظاهر و الحرّ وغيرهم ويرحّب بارواح الصالحين ببصيرته النافذة .
وبما أن الرسل هم أصحاب الفضائل (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) كانوا يشاهدون أبا الفضل بعين برزخية وهم معجبون به ، وهو عليه السلام يستقبل الضيوف نيابة عن المَلك أعني الإمام الحسين عليه السلام ، فلنتصور أبا فضل وهو يستقبل مائة و أربعة عشر ألف نبيٍّ بما فيهم الرسل مضافاً إلى نفس العدد من أوصياء الأنبياء، و المحسنين و الصالحين و الشهداء وكذلك من هم كانوا في عالم الأرواح و لم يولدوا بعد ، فيا له من جمع غفير اجتمع في عرصة كربلاء!
كلّهم توجّهوا نحو الفرات ليشاهدوا الصورة الجميلة للإنسان الكامل الذي يباهي به الله سبحانه ، فالعباس بما هو تربية المدرسة الحسينيّة قد وصل إلى ذروة الكمال و أدرك منتهى الرفعة فهو أعظم بطل بعد الإمام الحسين عليه السلام وكأنّي به يرتجز ويقول (إنّي أنا العباس أغدوا بالسقا) ليُسمع هذا الجمع فيعرفوه أنّه ساقي العطاشا و صاحب الراية و حامي الحرم النبوي . فكل بيت من تلك الأبيات تشير إلى صفاته و كمالاته و مواقفه العظيمة .
شفتا العباس جافتان كالخشبة وقد اقتحم الفرات بفرسه المطهم فهل سيشرب الماء أم لا ؟ هذا هو النقاش الدائر بين هذا الجمع من الملائكة و الأرواح !
فإذا به قد اختفي عن ناظرهم ، فهو بعد قتال عنيف قد سيطر على الفرات! لا يتواجد أحد حواليه أبداً وبقي هو و فرسُه وقِربتُه، يا لها من عظمة ويا له من مواساة لا يُصدّق ! إنّه لم يشرب ، إنّه ذكر عطش الحسين عليه السلام (السلام عليك أيّها العطشان) .
وكأنّي به يُنادى من أعلى السماء بصوت حزين في غاية العطوفة و الحنان ، أشكرك يا بُنيَّ ، أنت ساقي أطفال فلذة كبدي ونور عيني الحسين ، وكأنّي به رفع رأسه جهة ذلك الصوت فإذا بسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام تشكره ، لم لا ؟ وقد حقّق إنجازاً عظيماً لا مثيل له ، هنا انحل اللغز و تفككت العقدة وظهر السرّ في خلق الإنسان و عرف الملائكة معنى قوله تعالى (إنّي أعلم ما لا تعلمون ) وعلى ضوئه تعرف السر فيما ورد في بداية زيارته الخاصة التي نقلها أبو حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام ( سلام الله و سلام ملائكته المقربين و أنبيائه المرسلين و عباده الصالحين و جميع الشهداء و الصديقين و الزاكيات الطيبات فيما تغتدي و تروح عليك يا ابن أمير المؤمنين ) كامل الزيارات، النص، ص: 257
كما أنّك تعرف مدى أهميّة كلام الإمام زين العابدين عليه السلام (وَ إِنَّ لِلْعَبَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَنْزِلَةً يَغْبِطُهُ بِهَا جَمِيعُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) . الأمالي( للصدوق)، ص: 463
إبراهيم الأنصاري البحراني
مشهد المقدسة
23 محرم 1440