أليست هي كرامة ! 20177 20173 20171 هـ - الموافق 30 يناير 2017
العتبة الرضوية المقدسة تشتمل على جوانب عديدة و متنوّعة من أراضي و مزارع و مصانع و شركات وصالات رياضية و مكتبات و مدارس و حوزات علمية و مساجد و حسينيات ، بالأمس حالفني الحظّ فزرت غرفةً تهتم بالمساجد و الحسينيات المنتشرة في أرجاء البلاد، من الناحية الثقافية و التربوية و إقامة الصلاة و الأدعية و الشعائر الحسينية و ذلك بارسال علماء مبلغين و أئمة جماعة و أساتذة قرآن .
يترأس هذه الغرفة سماحة حجة الإسلام و المسلمين الشيخ العزيزي حفظه الله و هو عالم ذو ثقافة عالية و رؤية ثاقبة تنصبّ في الدولة المهدوية ، و يعمل معه رجلٌ كلّ الرجل ذو إيمان راسخ و سابقة مشرقة وهو مصداق لقوله تعالى ( ... وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)(النساء/95). هو جريح قد انتشرت الشضايا في أكثر أعضاء جسمه .
تحدّث معي هذا الرجل عن إحدى ذكرياته و هو في أرض العراق يحارب البعثيين الكفرة وقال :
كنت مع أحد الشباب نستطلع الموقع و هو من قراّء القرآن الكريم يتّبع طريقة عبد الباسط ، كنّا في منطقة قريبة من حلبچه جالسين تحت مرتفع ، وكان الليل شديدَ الظلمة والجنود العراقيون جالسون فوق المرتفع على مقربة منّا نسمع كلامهم و نشاهد ضوء سجائرهم المشتعلة.
الهدوءُ المخيّم هناك و تردّدُ الصوت و معنوية الأجواء كانت حافزاً لصديقي فقال لي:
هل تسمح لي أن أتلوًَ آيات من الذكر الحكيم ! قلت : نعم ، و كنت أقصد بذلك أن يقرأ في قلبه اخفاتاً فإذا به رفع صوته بتلاوة سوة الشمس على طريقة عبد الباسط !! فأشرت إليه أن أسكت أما تعلم أين أنت الآن ؟ تريد أن نُقتل ؟ فأجابني و بكلّ اطمئنان : أنا سأستمر إلى نهاية السورة بصوت عال و لا أسمح لهم أن يسمعوا صوتي !
و بالفعل واصل القراءة حتى انتهى إلى قوله تعالى ( و لا يخاف عقباها ) !!
أَ ليست هذه كرامة لأصحاب الحقّ ؟
أيّها الأعزاء هل سبق و أن تدبّرتم في قوله تعالى (..فَعَمُوا وَصَمُّوا..)(المائدة/71). وأيضاً (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)(البقرة/18).
فمن لا يصفّي باطنه من الكدورات و الظلمات كيف له أن يسمع الحقّ فيستوعبه ، ورغم أنّه ربّما يتظاهر و كأنَّه يسمع ولكنَّه هو ليس كذلك (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لاَ يَعْقِلُونَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لاَ يُبْصِرُونَ)(يونس/42 , 43). (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ..)(الأنعام/25). و هذا هو الميّت حقيقة (إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)(النمل/80). وقال تعالى (وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)(فاطر/22).
وقد يتنزّل الإنسان إلى مستوى من الخسّة و الإنحطاط رغم أنّه يسمع سائر الأصوات إلا أنّ حواسَه الظاهرّية تفتقد مفعولَها في سماع الحقّ كما حدث لهؤلاء القوم ... فانتبه إلى حالك و لا تغفل .
إبراهيم الأنصاري البحراني
مشهد المقدّسة
20 ربيع الثاني 1438
19 يناير 2017