kiii
  • عنواننا في التلغرام : https://telegram.me/al_kawthar الإيميل : alkawthar.com@gmail.com
  • اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْن ِ (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا)

جوانب من رؤى الإمام الخميني قدس سرّه العرفانية

20147 20143 20141 هـ - الموافق 12 أكتوبر 2014

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله الطيبين الطاهرين الهداة الميامين

 إنّ الإمام الخميني قدّس سره رغمّ تبحره في العلوم النقلية ورغم ضلوعه في السياسة و قدرته على الإدارة لا شك أنّه يعدّ من أبرز الحكماء و العرفاء في القرن الأخير ، وتتميّز أفكاره العرفانية بالصبغة القرآنية والروائية فلا يرى أيّ فصل بين العرفان والقرآن ، كما أنّه غار في كلا المرحلتين من المعرفة ، النظرية والعملية .

ونعني بالعرفان النظري هو الوصول إلى معرفة الله عزّ وجلّ من خلال النظر فالعالم بسعته ليس هو إلا حرف وطرف فقير مطلق إلى الغني بالذات ، وقد أشار إلى هذا سماحة العلامة الشهيد السيد مصطفى الخميني قدّس سرّه في كتابه القيّم تحريرات في الأصول ج 1 ص 89 قال : (يشعر قوله : "من علّمني حرفاً فقد صيّرني عبداً" أي من علّمني حرفية العوالم من رأسها إلى قدمها .)

ونحن في هذه الكلمة سوف نتحدّث عن رؤيته رضوان الله تعالى عليه في المجالين النظري و العملي وبعبارة أخرى في مجال الإيمان و العمل الصالح على حدّ التعبير القرآني :

المرحلة الأولى : العرفان النظري (الإيمان) معرفة الله :

 وقد ظهرت هذه الحقيقة في الأدعية والزيارات التي طالما أكّد عليه الإمام الراحل وقد خصّ بالذكر في وصيّته المباركة بعض الأدعية حيث قال (نحن نفخر أن تكون منّا المناجات الشعبانية للأئمة، ودعاء عرفات للحسين بن عليّ عليهما السلام والصحيفة السجادية زبور آل محمد، والصحيفة الفاطمية وهي الكتاب الملهم من قبل الله تعالى إلى الزهراء المرضية.)

فلماذا التأكيد على هذه الأدعية والصحف دون غيرها ؟

أما المناجاة الشعبانية:

فالتأكيد عليها باعتبار اشتمالها على مقطع روحانيّ حسّاس وهو قوله :

(إلهي هب لي كمال الانقطاع اليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرنا اليك حتى تخرق ابصار القلوب حجب النور وتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك الهي واجعلني ممّن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك )

يقول الإمام ره : (فعند ذلك يكون وجوده حقّانيا ، والحق تعالى يشاهد الموجودات في مرآة وجوده ، واذا كان انسانا كاملا فيوافق المشيئة المطلقة ) آداب الصلاة 47

ثمّ يتحدث عن الحجب التّي جاء ت في المناجاة ما هي ؟ وما هو معدن العظمة ؟

(هل معدن العظمة هو قصور الجنة ؟ وهل تعلّق الارواح بعزّ القدس هو التعلق بذيل حور العين لقضاء الشهوة ؟ .. هل هذا الصعق والمحو من الجلال يعني به جمال نساء الجنة ؟ . وتلك الجذبات والاغشية التي حصلت لرسول الله صلى الله عليه وآله في صلاة المعراج كان يشاهد أنوار العظمة تلك وما فوقها في محفل ما كان الامين جبرائيل محرما لسرّه ولا يتجرّأ للتقدّم قيد أنملة ؟ هل كانت جذبة احدى النساء الحسان في الجنة ؟ . )

وأمّا دعاء عرفة :

فيشتمل على مقاطع عالية المضامين وعميقة المحتوى ، يقول الداعي (أَ يَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَ مَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الْآثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ عَمِيَتْ عَيْنٌ لَا تَرَاكَ عَلَيْهَا رَقِيباً وَ خَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً ) بحارالأنوار ج : 95 ص : 226

وهذه المرحلة هي قمّة الكمال الإنساني حيث يصل إلى الله تعالى وينطلق منه إليه فلا يلاحظ الآثار بنحو مستقل ، بل يلاحظها من خلال الأنوار التي تجيط به قال :

(إِلَهِي أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْآثَارِ فَارْجِعْنِي إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الْأَنْوَارِ وَ هِدَايَةِ الِاسْتِبْصَارِ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْهَا مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَ مَرْفُوعَ الْهِمَّةِ عَنِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ)

ثم يصل العبد إلى أعلى المستويات فيخاطب ربّه بقوله : (ماذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَ مَا الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ)بحارالأنوار ج : 95 ص : 225

وأمّا الصحيفة السجادية :

فيقول عنها الإمام قدس سرّه (تلك الصحيفة النورانية التي نزلت من سماء عرفان العارف بالله والعقل النوراني سيد الساجدين لخلاص عباد الله من سجن الطبيعة وتفهيمهم أدب العبودية والقيام في خدمة الربوبية) آداب الصلاة ص 310

 

وأمّا مصحف فاطمة عليها السلام :

 فالحديث عنه عظيم للغاية فبعد نقل الإمام الحديث المعروف عن مصحف فاطمة وهو ما في الكافي :

(عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنَّ فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خمسة وسبعين يوما وكان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها و يُطيب نفسَها ويُخبرها عن أبيها ومكانِه ويُخبرها بما يكون بعدها في ذرِّيتِها وكان علي عليه السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة عليه السلام) بحار الأنوار ج 22 ص545 رواية63 باب2

 ثم يُعلق الإمام(قده) على هذه الرواية فيقول: (ظاهر الرواية هو أنّه كانت مراودة أي ذهاب وإياب كثير لجبرئيل الأمين وذلك في 75 يوماً، ولا أظنّ حدوث هذا الأمر لغير الطبقة الأولى من الأنبياء العظام بحيث يتراود إليهم جبرئيل الأمين في 75 يوماً)

المرحلة الثانية : العرفان العملي (العمل الصالح):

 ويعني الوصول إلى المعشوق والذوبان فيه إلى مستوى العينيّة و التوحيد في الفعل فلا استقلال للإنسان حينئذٍ فالفقير المطلق قد فنى في الغني المطلق (في حال أنه ينسب الفعل إلى الحق من دون شائبة مجاز ينسبه في نفس الحال إلى الخلق بلا شائبة مجاز والآية الشريفــة " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " (الأنفال - 17) التي نفت الرمي في عين إثباته وأثبتته في عين نفيه تشير إلى هذا المشرب العرفاني الأحلى والمسلك الإيماني الدقيق ، وإنما قلنا من نسبة الأفعال والآثار إلى الله سبحانه وقيّدناها بالكمالية لنخرج النقائص من هذه النسبة لأن النقائص ترجع إلى الإعدام وهي من تعينات الوجود وليست منسوبة إلى الحق إلا بالعرض ) آداب الصلاة 490

  ويقول رضوان الله تعالى عليه في مورد آخر : (إن الموجودات كافة مسخرات بأمر الحق، ومطيعات للأوامر الإلهية. كما أن الآيات القرآنية التي أشارت إلى ذلك كثيرة. قال تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)(الأنفال/17).إن هذا الإثبات والنفي - وما رميت إذ رميت إشارة إلى مقام الأمر بين الأمرين، بمعنى أنك رميت، وفي نفس الوقت أنك لم ترم بقدرتك المستقلة، بل إنما حصل الرمي بواسطة ظهور قدرة الحق في مرآتك، ونفوذ قدرته في عالم مُلكك وملكوتك. فإذن أنت تكون رامياً، وفي نفس اللحظة يكون الحق جلّ وعلا رامياً. وتضاهي تلك الآية المجيدة، الآيات الشريفة المذكورة في سورة الكهف المباركة عند بيان قصة الخضر وموسى عليهما السّلام: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ،وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)(الكهف79 - 82). فإن النبي الخضر عليه السّلام كشف أسرار عمله لموسى ونسب مورد العمل الناقص والمعيب إلى نفسه قائلاً " فَأردتُ أنْ أعِيبَها" وفي مورد آخر، مورد الكمال نسب العمل إلى الحق سبحانه " فَأرَادَ ربّك أنْ يَبْلُغا " وفي مورد ثالث نسب العمل إلى الطرفين قائلاً " فَأَردْنَا أنْ يُبْدِلَهُما رَبَّهُما " وكل ذلك يكون صحيحاً. )

 ومن هذا المنطلق ينبغي للعبد أن ينسى نفسه ويذكر الله تعالى دائماً وهذا هو الكمال بعينه ، وللإمام تعبير لطيف في تبيين هذه الحقيقة حينما شرح قول الداعي في دعاء السحر(اللهم إني أسألك من بهائك ...) قال:

 ("إنّي" لم يكن هذا في الحقيقه إثبات الأنانيه، لأنّ الأنانيّه تنافي السؤال، والداعي يقول: إنّي أسئلك. وهذا نظير قوله تعالى (يا أيُّها الناس أنتم الفقراء إلى اللّه) (فاطر:15)، مع أن أنتمية السوائيه مدار الإستغناء لا الفقر، فما كان منافياً لمقام السالك إلى اللّه تعالى إثبات الإستقلال والإستغناء كتسمية أنتم في قوله تعالى: "إن هِيَ إلاّ أسماء سَمّيتُموها أنْتُمْ". وأمّا إثبات الأنانيّة في مقام التذلّل وإظهار الفقر فليس مذموماً، بل ليس من إثبات الأنانيه ..) شرح دعاء السحر ص 38

حقيقة الخدمة :

 ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف يمكن للإنسان الوصول إلى هذا المستوى من العرفان العملي الذي هوغاية الكمال البشري أعني العبودية لله تعالى ؟

  الجواب يكمن في مقطع آخر من دعاء عرفة الذي يبيّن حقيقة العمل الصالح بما له من معني وبما له من سعة ، يقول سيد الشهداء عليه السلام (إِلَهِي تَرَدُّدِي فِي الْآثَارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزَارِ فَاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إِلَيْكَ ) بحارالأنوار ج : 95 ص : 226.

   فيا ترى ما هذه الخدمة التي توصل العبد إلى الله تعالى بما لكلمة الجلالة من محتوى ، أعني الإسم الأعظم الشامل لكافة الأسماء و الصفات ؟

   هنا قد تميّز إمامنا الراحل عن غيره من العرفاء فهو لم ير الخدمة منحصرة في الأمور المتعارفة مثل قضاء حوائج الناس على مستوى الأفراد أو كسوة اليتيم أو التبرع لمشروع مقدّس فحسب بل قد توسّع رضوان الله عليه في هذا المجال إلى مستوى الوقوف قبال المستكبرين اللذين هم حجر عثرة لابد من إزالته لينفتح طريق الرشد و الكمال و يتسنّى للإنسان الوصول إلى الكمال المطلوب الذي هو غاية العبودية.

    والذي جعله يستقيم في مسيرته هذه ليس هو الوصول إلى الدولة الإسلامية كهدف رئيس بل الوصول إلى الله والفناء فيه وكسب رضاه ، وبين الأمرين فاصل كبير و بون بعيد ، وبهما يتميّز الشرك من التوحيد، ولعلّ مصطلح الحنيف الذي أكّد عليه القرآن الكريم في آيات كثيرة يقصد منه ذلك الأمر اللطيف الذي هو أدق من الشعرة وأسنّ من السيف قال تعالى (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) (الحج/31).(حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ)(البقرة/135). (... حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام/79). حيث قوبلت الحنيفية بعدم الشرك ، فالإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه لم يكن موحّداً فحسب بل ارتقى إلى مستوى أعلى من التوحيد فصار حنيفاً ! وهذا المقام لا يصل إليه إلا من هو ذو حظّ عظيم من العباد المخلصين الذين انفحت لهم أبواب الملكوت ، وأمّا غيرهم فهم مصداق قوله تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(يوسف/106).

المنكرون :

   من الخطأ أن يرى الإنسان نفسه عالماً ليس بخاطيء بل ينبغي له احتمال الخطأ دائماً فلا يغترّ بعلمه فكم من جاهل أهلكته خيالاته الواهية فلم يسع للوصول إلى الحقيقة ! نلاحظ أن الإمام الخميني ره يركّز على هذا الأمر في كتبه المختلفة معاتباً هؤلاء المنكرين للحقائق بمجرّد سماعها من دون الإمعان في صحتها وسقمها ، قال :

   (إنّ عدم انكار الحقائق هو الخطوة الأولى ، يجب أن نصدق بتلك الحقائق ، لا ينبغي للإنسان أن ينكر كل ما لا يعلمه يجب أن يكون قبوله لفكرة ما مستند إلى برهان وكذلك نفيه لها عن برهان ودليل، فإن لم يكن لديه برهان على النفي أو الإثبات فعليه أن يقول: لا أعلم، إن علمنا لا يصل إلى ما وراء هذا العالم وما توصلنا له من هذا العالم فهو ناقص أيضا، فلا زالت المجاهيل كثيرة، وإلى ما قبل قرن من الزمان كانت هناك الكثير من المجهولات التي أصبحت اليوم معلومة وستتضح مستقبلا غيرها.فإذا كنا لم نستطع أن نفهم هذا العالم ولم يستطع الإنسان أن يعرفه فما هو مبرر إنكاره لما عند الأولياء؟! هذا القلب قلب "إنكاري" محرومُ كليّاً من دخول الحقائق والأنوار إليه) تفسير فاتحة الكتاب ص 98

   وقال في كتاب الآداب المعنوية للصلاة:

(فإن أعظم القذارات المعنوية التي لا يمكن تطهيرها بسبعة أبحر وأعجزت الانبياء العظام هي قذارة الجهل المركب الذي هو منشأ الداء العضال الا وهو انكار مقامات أهل الله وأرباب المعرفة ومبدأ سوء الظنّ لاصحاب القلوب ، وما دام الانسان ملوّثا بهذه القذارة لا يتقدّم خطوة إلى المعارف بل ربما تطفىء هذه الكدورة نور الفطرة الذي هو مصباح طريق الهداية وينطفئ بها نار العشق التي هي براق العروج إلى المقامات ويخلّد الانسان في أرض الطبيعة ، فاللازم على الانسان أن يغسل هذه القذارات عن باطن القلب بالتفكر في حال الانبياء والاولياء الكمل صلوات الله عليهم وتذكر مقاماتهم و الاّ يقنع بالحدّ الذي هو فيه فإن الوقوف على الحدود والقناعة في المعارف ، من التلبيسات العظيمة لابليس والنفس الامّارة نعوذ بالله منها.)

 

المتعمقون :

كما أن الإمام ره طالما كان يركّز على الحديث التالي الذي ورد في الكافي الشريف قال :

(سئل علي بن الحسين ( عليه السلام ) عن التوحيد فقال : إن الله عزّ وجلّ علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى قل هو الله أحد والآيات من سورة الحديد إلى قوله وهو عليم بذات الصدور فمن رام وراء ذلك فقد هلك " .)

    ثمّ قال : (ويعلم من هذا الحديث الشريف أن فهم هذه الآيات وهذه السورة المباركة يحق للمتعمقين وأصحاب الأنظار الدقيقة . ودقائق التوحيد والمعرفة وسرائرها منطوية فيها ، وأن الحق تعالى أنزل لطائف العلوم الإلهية لأهلها ، والذين ليس لهم حظ من سرائر التوحيد والمعارف الإلهية فليس لهم حق النظر في هذه الآيات ، وليس لهم حق أن يحملوا ويفسّروا هذه الآيات على ما يفهمونه من المعاني العامية السوقية)

تجلّي العرفان بقسميه في شعر الإمام ره :

    ممّا تثير العجب هي أشعار الإمام الخميني التي لا تقل أدباً وعمقاً أشعار أمثال حافظ و سعدي الشيرازي ، إنّ للإمام ديواناً في الشعر ، فأشعاره رغم تنوّعها إلا أنّه قد تجلّى فيها الجانبان من العرفان النظري والعملي .

   إنّه قدس سرّه قد هجّم على العرفان المزيّف والتصوّف الأجوف ، فلم يتساهل ولم يتسامح مع من يتبنّى المعتقدات الباطلة و الطرق المضلّة بل يواجهها بكلّ قوّة ، وهذا الموقف أيضاً ينطلق من منطلق الحبّ الإلهي ، نشاهد الإمام ره رغم تشبيهه في قصيدة المعروفة (من بخال لبت اى دوست كرفتار شدم) بمنصور الحلاج وذلك في قوله (همجو منصور خريدار سر دار شدم) كما يشبّه الكريم بحاتم الطائي ، نلاحظه في قصيدة أخرى كيف ينتقده ويراه جاهلاً و متكبّراً ، وكذلك بالنسبة إلى كبار المتصوّفين وبذلك يبدي موقفه الحاسم قبال هؤلاء المتصوفين ويرسم الخط الفاصل بينهم وبين العرفاء المتألهين.

   كما أنّه ينفي القصص الزائفة والكرامات المجعولة لجماعة الصوفية ،و ينتقد حتّى على مولانا جلال الدين الرومي رغم جلالة شأنه وذلك في كتابه كشف الأسرار.

فبخصوص منصور الحلاج يقول مخاطباً إيّاه:

   ( گرتو آدم زاده هستی علّم الاسماء چه شد.. قاب قوسینت کجا رفتست او ادنی چه شد) (برفراز دار فریاد انا الحق می زنی.. مدعی حق طلب انیت وانا چه شد) (مرشد از دعوت به سوی خویشتن بردار دست..لا إلاّهت را شنیدستم ولی الا چه شد)

   (لو أنّك ابن آدم أين علَّم الأسماء ؟ أين ذهب قاب قوسينك وماذا حدث لأدنى )(على قمّة المشنقة ترفع صوتك بأنا الحق ؟ أيها المدّعي بأنك طالب للحق ماذا عن الإنيّة و الإنّا) (أيها المرشد ارفع يدك عن الدعوة لنفسك ، سمعنا قولك لا إله ولكن أين "إلا")

ويقول في ذم المتصوفين :

 (ازصوفیّها صفا ندیدم هرگز .. زین طایفه من وفا ندیدم هرگز)(زین مدعیان که فاش انالحق گویند...با خود بینی فنا ندیدم هرگز)

(لم أجد الصفاء من الصوفيين أصلا ولم أشاهد الوفاء من هذه الطائفة أبداً) (من هؤلاء الذين المدعين بصراحة "أنا الحق" ، لم أشاهد فيهم الفنا مع رؤية أنفسهم أبداً )

   وأمّا اللطيف ما قاله الإمام منتقداً لقصيدة مولانا جلال الدين الرومي المعروفة :(بشنو از نى جون حكايت ميكند، واز جدائيها شكايت ميكند)(كز نيستان تا مرا ببريده اند،از نفيرم مرد وزن ناليده اند) (اسمع الناي وهو يقصّ قصّته ويشتكي من ألم الفراق ) يقول : (بمجرد از فصلونى من مجموعة القصب ، فأنين الفراق أبكى الرجال و النساء).

   يجيبه الإمام الخميني قدس سرّه :(نشنو از نى ، نى نواى بى نوا است،بشنو از دل دل حريم كبريا است ، نى جو سوزد تل خاكستر شود ، دل جو سوزد محفل دلبر شود) (لا تلتفت إلى الناي ماذا يقول! فإنّه صوته ليس بصوت ، اسمع نداء القلب فإنّه حريم الكبرياء إشارة إلى قول الإمام الصادق عليه السلام : (القلب حرم الله فلا تسكن حرم الله غير الله) بحار الأنوار ج 67 ص 25 ثمّ يستدل الإمام ره على هذه المقوله باستدلال جميل للغاية فيقول: ( الناي بمجرد أن يحترق سوف يستبدل بتلٍّ من الرماد ، وأمّا احتراق القلب ، سوف يجعله محفلاً للأنس مع صاحبه ومعشوقة الحقيقي )

الجمال :

   وأمّا عندما تتوجّه إلى الجانب الجمالي في شعر الإمام تلاحظ الإشراقات الإلهية تبدو و التجليات الربّانية تشع ، فهو رغم امتلاكه الروح المتواضع و النفس المتذللة تراه يأخذ القلوب إلى الأعلى فيحلقها في عالم الملكوت ، فاطمة طباطبائي قرينة الفقيد السيد أحمد الخميني رضوان الله تعالى عليه كانت تكتسب من الإمام العلوم الإلهية وهو يمارس رياضة المشي في حديقة إلى جنب حسينية جماران ، ثمّ إنّها طلبت من الإمام أن يهديها رسالة عرفانية ، فقال (فاطى كه زمن نامه عرفانى خواست ، از مورجه اى تحت سليمانى خواست ، كويا نشنيد ما عرفناك از آنكه جبريل از او نفحه رحمانى خواست )

 " فاطمة التي طلبت مني رسالة عرفانية، طلبت من نملة عرش سليمان كأنها لم تسمع "ما عرفناك" ممن طلب منه جبريل نفحة رحمانية" (إشارة إلى رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما عبدناك حق عبادتك وما عرفناك حق معرفتك" مرآة العقول8/146.) فيشرع في كتابة هذه الرسالة العظيمة ، و يدخل في ساحة عرفانية عظيمة يغور في المعرفة الإلهية من خلال الفطرة ويتطرّق إلى دقائق الأمور في هذا المجال ويختمها بنصائح وارشادات ينبغي لكل من أراد الوصول إلى التنمية الحقيقية ملاحظتها بدقّة فإنّه رضوان الله تعالى عليه هو المرشد حقّاً في عصرنا حيث استيلاء الظلمة وفقدان الماء المعين ، ونحن في هذه الكلمة نشير إلى بعض تلك الكلمات النورانية من باب التذكار ، قال مخاطباً فاطمة طباطبائي بل جميع من يقرأ الكتاب :

( ضعي الغرور والآمال الشيطانية الكاذبة جانباً.. وجدّي في العمل وتهذيب نفسك وتربيتها فإنّ الرحيل قريب جدا.. وكل يوم يمر وأنتِ غافلة. يجعلك متأخرة.. )

وفي مقطع آخر يقول عن غيبة المؤمن :

(نظرةً قصيرة إلى ما ورد في غيبة المؤمنين وأذاهم والبحث عن عيوبهم وكشف سرهم واتهامهم تجعل القلوب التي لم تُختم بختم الشيطان ترتجف وتجعل الحياة للإنسان علقماً.. وها أنذا ولعلاقتي بك وبأحمد أوصيك باجتناب الآفات الشيطانية خصوصا الآفات الكثيرة للّسان، واهتمي بحفظه.. طبعا في البداية سيكون ذلك صعبا نوعا ما لكنّه بالعزم والإرادة والتفكير في عواقبه يصبح سهلا.. اعتبري من العبارة المعبرة جداً للقرآن الكريم حيث يقول:

(..وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ..)(الحجرات/12). لعلّها إخبار عن صورة العمل البرزخية ولعل الحديث المنقول عن حضرة سيد الموحدين في مواعظه الكثيرة التي وعظ بها نوف البكالي إشارةٌ إلى هذا الأمر بحسب أحد الاحتمالات.. وفي ذلك الحديث طلب من المولى موعظة فقال له: "اجتنب الغيبة فإنَّها أدام كلاب النار" ثم قال " يانوف كذب من زعم أنه وُلد من حلال وهو يأكل لحومَ الناس بالغيبة"(بحار الأنوار 75/ 248 )

منعطف سرّ الوجود :

     قد ابدع الإمام في مجال التعريف بالأئمة الأطهار عليهم السلام والتعلّق بهم سواء في كتبه العرفانية أو محاضراته القيّمة أو في أبياته الشعرية ، ونحن نكتفي في هذه الكلمة بقصيدة عرفانية تخاطب الإمام المهدي أرواحنا له الفداء ، يقول :

(اى نقطه عطف راز هستى ، بر كير زدوست جام مستى) (رازى است درون آستينم ، رمزى برون زعقل و دينم )(در زمره عاشقان سر مست ، بى قيد زعار صلح وكينم)( در جركه طير آسمان، در حلقه نمله زمينم)(در ديده عاشقان جنان ام ، در منزل سالكان جنينم)(دلباخته جمال يارم ، وارسته زروضه برينم)(با غمزه جشم كلعزاران ، بيزار زناز حور عينم) (كويم به زبان بي زباني ، در جمع بتان نازنينم)( اى نقطه عطف راز هستى بر كير زدوست راز هستى) يخاطب الإمام عجل الله فرجه (يا منعطف سرّ الوجود ، خذ من العاشق كأس الحبّ)والقصيدة طويلة و جميلة للغاية تشتمل على أعلى القيم الإنسانية وأسمى مراتب المعرفة وأرقى مستويات العبودية نشير إلى مقطع واحد فقط يركّز فيه الإمام قدّس سرّه على عبادة الأحرار يقول: (هناك سرّ خفيّ في " كُمّي " ) وهذا يشير إلى قيمة هذا السرّ حيث أن الكُم يوضع فيه أغلى الأشياء ( هناك رمزٌ خارج عقلي وديني)أي ليس للعقل ولا للدين بمعنى ظاهر الشريعة معرفة هذه الحقائق (في مجموعة العشاق السكارى ،أنا غير مبالٍ من العار ومن الصلح و العداء ) فما قيمة مواقف الناس إذا كان الله قد رضي عني وهذا هو نهاية الإخلاص الذي توصّل إليه الإمام الخميني قدس سرّه (أنا أعيش في مجموعة طيور السماء ، وأمشي في حلقة النمل في الأرض)( أنا من وجهة نظر العشاق كذا ، ومن وجهة رؤية السالكين كذا ) ولا قيمة لها أصلاً لماذا؟ ( قد علقت قلبي بجمال الحبيب ، وأنا بريء من رياض الجنّة)(بمجرد أن أشاهد غمزان المعشوق الحقيقي ، أتبرّى من دلع حور العين) وهذه هي عبادة الأحرار بعينها (أقول بلسان الحال وأنا أعيش في زمرة الأحرار )( يا منعطف سر الوجود ، يا حجّة الله خذ من يد العاشق الواله كأس السكر).

الخلافة الباطنيَّة

   هكذا يرى إمامنا رضوان الله عليه دور المعصومين عليهم السلام ، فهم حلقة الوصل بين الخالق والمخلوق ، ومن هذا المنطلق نعرف عمق معتقدات الإمام حول الخلافة الإلهية ودورها الرئيس في عالم التكوين ، فقد عرّف الإمام ره الخلافة الباطنية بأنّها :

   ذلك المقام المعنوي التي بها تتمُّ به المكاشفة للحقائق و تلك الخلافة الإلهية التِّي هي خارج الحدود المادية غير المؤطَّرة بالمكان والزمان ، وهي الأمانة الإلهيَّة و النيابة عنه تعالى في جميع شئونه وصفاته الجمالية والجلالية قال تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)(الأحزاب/72). فالإنسان الكامل بروحه المتعالي ونفسه النوراني ، حمل تلك الأمانة ومن ثَمَّ صار واسطةً للفيوضات الإلهيَّة إلى الخلق (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ...)(البقرة/30). فالخلافة هذه حقيقة واحدة لا كثرة فيها ولذلك لم يقل سبحانه "خلائف".

   وهذه الولاية أعلى مستوى من الرسالة وأرفع رتبةً من النبوَّة فهي باطن النبوَّة بمعنى أنَّ الذي يحقِّق للرسول مرتبة الرسالة و النبوَّة هو الولاية ، وهذا يعني أنَّ ولاية الرسول صلى الله عليه وآله أعلى من رسالته فحيثيته الولائية أفضل من حيثيته الرسولية . والسرّ في ذلك هو أنَّ لولاية النبي جانب حقّاني ولنبوَّته جانب خلقي ومن الواضح أنَّ الجانب الأوَّل أشرف من الجانب الثاني لأنَّ ذاك أبدي وهذا منقطع ، فالرسول و النبي ليسا من أسماء الله تعالى وأمّا الولي من أسمائه تعالى وهذا هو الذي جعل الولاية غير منقطعة دون النبوَّة والرسالة( راجع كتاب الإنسان الكامل في نهج البلاغة لآية الله حسن زاده آملي)

المشيئة:

إنَّ أوَّل فيض استضاء من النور المطلق وأوَّل ما تجلَّى منه تعالى هو نورهم عليهم السلام فهم إذن أوعية مشيئة الله تعالى كما ورد في الحديث عن القائم عليه السلام، فيه يقول لكامل بن إبراهيم المدين: (( وجئت تسأل من مقالة المفوِّضة، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشية الله عزّ وجلَّ فإذا شاء شئنا، والله يقول: "وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله" )) بحار الأنوار ج 9 ص 321 الرواية 14الباب 2

  وجميع المخلوقات قد خلقت بالمشيئة كما ورد في الحديث:(( علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عُمَير عن عُمر بن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خَلقَ الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة )) الكافي ج 1 ص 110 ح 4 وعليه سمِّيت الأشياء أشياءً فهي مظاهر مشيئته تعالى و تجلِّي إرادته. وأمّا المشيئة نفسها فهي ليست كسائر الأشياء بل لها رتبة أعلى وأسمى منـها وهي واسطة لانتقال فيض الوجود إلى الأشياء الأخرى، وهي السبب المتصل بين الأرض والسماء وهي من عالم الأمر وهو أعلى من عالم الخلق.

    قال الإمام قدِّس سرُّه: " لو اتَّحد أفق الإنسان الكامل مع المشـيئة المطلقة وأصبحت روحانيته عين مقام الظهور الفعلي للحـق تعالى، ففي هذا الحال سوف ينظر الحق تعالى به و يسمع به و يبطش به، فهو الإرادة النافذة للحق و المشيئة الكاملة و العلم الفعلي، وقد ورد في الحـــديث، عليٌّ عينُ الله وسمــعُ الله و جـــنبُ الله" (توحيد الصدوق ص 164).

  و قال قدِّس سرُّه في بيان شخصيَّة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله: " وهو المشيئة المعبَّر عنه بالفيض المقدس والرحمة الواسعة والاسم الأعظـم والولايـة المطلقة المحمـدية أو المقام العلوي، وهو اللـواء الـذي آدم ومن دونـه تحتـه والمشار إليه بقـوله: " كنت نبياً وآدم بيـن الماء والطين أو بين الجسد والـروح " أي لا روح ولا جسد، وهو العروة الوثقى والحبل الممدود بين سماء الإلهية وأراضي الخلقية، وفي دعاء الندبة قوله عليـه السلام: " أين باب الله الذي منه يؤتى، أين وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء، أين السبب المتصل بين الأرض والسـماء. ) أقول : هذه المعرفة هي عين التوحيد لأنَّه من خلالها يمكن ربط الأرض بالسمـاء، والمخلـوق بالخالق الواحد الأحـد، ويتحقق التناسب و التسانخ والانسجام بين العلة والمعلول.

قال الإمام الخميني قدِّس سرُّه:

(ففاتحة الكتاب التكويني الإلهى الذي صنفه ( تعالى جدّه ) بيد قدرته الكاملة بالوجود الجمعي الإلهي المنزّه عن الكثرة، المقدّس عن الشَين و الكدورة بوجهٍ، هو عالم العقول المجردة والروحانيين من الملائكة والتعين الأوَّل للمشيئة، وبوجهٍ، عبارةٌ عن نفس المشيئة فإنِّها مفتاح غيب الوجود وفي الزيارة الجامعـة: بكم فتح الله، لتوافق أفقهم عليهم السلام لأفق المشيئة كما قال الله تعالى حكاية عن هذا المعنى: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، وهم عليهم السلام من جهة الولاية متحدون أوَّلنا محمّد، أوسطنا محمد، آخرنا محمد، كلّنا نور واحد، ولكون فاتحة الكتاب فيها كلّ الكتاب، والفاتحة باعتبار الوجود الجمعي في بسم الله الرحمن الرحيم وهو في باء بسم الله وهو في نقطه تحت الباء قال علي ( عليه السلام): أنا النقطة وورد: بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميَّز العابد عن المعبود .) شرح دعاء السحر ص 64

   ولا يخفى أنّ هذا المعتقد ليس من الغلو أصلاً لأنّه يعني "الإرتفاع في الشيء ومجاوزة الحدّ فيه ؛ ومنه قوله جلَّ وعلا "لا تغلو في دينكم" أي لا تتجاوزوا المقدار" جمهرة اللغة ج2 ص 961 فمن قال بإلهيَّة أحدٍ من الأئمة عليهم السلام فهو من الغالين الذين يحكم عليهم بالكفر،وقد تحدَّث الإمام قدِّس سرُّه عن هؤلاء فقال:

(الذين يألهون أمير المؤمنين أو أحدا من الأئمة عليهم السلام أو نبوتهم...و بينهم وبين العقيدة الإسلامية مباينة جوهرية من أوَّل الامر)

العروج العملي :

   كلّ هذه المقامات التي ذكرناها إنّما وصل إليها الإمام من خلال السلوك العملي فكان رضوان الله تعالى عليه كثير الإهتمام بالزيارات سواء في قم المقدسة أو طوال تواجده في المنفى في النجف الأشرف فكان يزور أمير المؤمنين في كلّ ليلة وذلك بالزيارة الجامعة الكبيرة ذات المضامين العالية و كان في أغلب المواسم الخاصة لزيارة الإمام الحسين عليه السلام يذهب إلى كربلاء ، كما أنّه في كلّ يوم من العشرة الأولى من شهر محرم الحرام كان يلتزم بزيارة عاشوراء مع ذكر اللعن والسلام مأة مرَّة ، إلى جانب ذلك كان له مجلس أسبوعي في بيته باسم سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام .

  والكل يعلم أنّ الأخبار المؤلمة لم تكن تبكي الإمام مهما كانت عظيمة فكم من حوادث كانت تقع في الجبهات وكم من عوائل الشهداء الثكلى كان يأتون لزيارة الإمام فكان يتأثر كثيراً ولكن لم نشاهده يبكي إلا في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام .

  فكان يبكي بمجرد سماع صوت "يا حسين" ولم يعهد منه أنَّه كان في مجلس يذكر فيه مصيبة سيد الشهداء عليه السلام أو الزهراء أو الأئمة عليهم السلام ولم يبك بل كان يرفع صوته بالبكاء .

  إنَّ أول شعلة أشعلها الإمام الراحل كانت في يوم عاشوراء حيث ألقى الإمام خطبة عنيفة هاجم فيها حكومة الشاه المقبور ، وأكَّد فيها أنَّ الحكومة قد رضخت للمخططات الصهيونية التي تهدف إلى تحقير القرآن الكريم وتصفية الزعماء الدينيين والسماح لإسرائيل بان تسيطر على الاقتصاد الإيراني.وقد ألقي القبض على الإمام ونقل إلى سجن "القصر" في طهران. فنزل الناس إلى الشوارع في قم بقيادة السيد مصطفى الخميني ابن الإمام، وقاموا بالتظاهر والاحتجاج على اعتقال زعيمهم الديني. وفي اليوم التالي قامت مظاهرات مماثلة في طهران، وقد قمعتها قوات الأمن مما أدى إلى سقوط 15 ألف قتيل في طهران و  400 قتيلا في قم ونفي الإمام إلى تركيا ومن ثم إلى العراق .

  وكانت لمسيرات تاسوعا وعاشوراء دور كبير في زعزعة عرش الطاغوت كما كان للخطباء الحسينيين في أرجاء البلاد تأثيرا إعجازيا في رص الصفوف ودفعها إلى الشارع وتحريضها للقيام ضد الطغاة.

جعلنا الله وإيّاكم من العارفين لنهج الإمام الخميني العظيم قدّس سرّه في كافة المجالات ، وأن يوفّقنا للسير على خطاه واتّباع نهجه ...وسلام عليه يوم ولد ويوم ارتحل إلى الملكوت الأعلى ويوم يبعث حيّاً

إبراهيم الأنصاري البحراني

11/6/2009