درجات مبايعة مولى الموحدين أمير المؤمنين عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
من الأبحاث التي كثيراً ما يُغفل عنها بالرغم من أهميتها موضوع درجات البيعة.
فلو كنت موظفاً لدى مؤسسة ما وصاحفت أحد المسؤولين هناك ، فتلك المصافحة وإن كانت في ظاهرها كالبيعة، ولكنها لا تعني ذلك بالضرورة ؛ إذ أنها قد تكون من باب الصداقة أو المجاملة أو المقبولية أو غير ذلك من الأمور.
وفي الغدير كذلك، فالذين بايعوا علياً (عليه السلام ) يمكن تقسيمهم إلى أقسام تبعاً لنواياهم:
١-القسم الأول: وهم الأقل درجة؛ حيث بايعوه بعنوان خليل رسول الله وأخيه، وهذا المستوى قبله جميع المسلمين تقريبًا، فاهل السنة يقولون بان البيعة تعني هذا .
٢-القسم الثاني: حيث كانت بيعتهم لعلي بوصفه خليفة الرسول صلى الله عليه وآله لادارة الأمة من الناحية الاجتماعية و السياسية و الدينية.
وهي رؤية أكثر الشيعة، ومع الأسف فإن الكثير منا اقتصر على ذلك.
٣-القسم الثالث: هم من بايعوا بعنوان أن علياً هو إمام على المؤمنين، وهذه الدرجة تقتضي أن يكون سلوك المجتمع الموالي لأمير المؤمنين عليه السلام متناسقاً تماماً مع مرئياته ، بحيث أنه عندما يشاهده أحد يتذكر أمير المؤمنين عليه السلام.
٤-القسم الرابع: وهم من بايعوا علياً عليه السلام على أنه إمام الإنس والجان.
ونحن الشيعة وإن كنَّا جميعاً نؤمن بذلك على مستوى الاعتقاد النظري، ولكن في مجال السلوك العملي فهناك عدد قليل جداً يلتزمون بذلك.
فاعمالنا لا تدلّ على هذا النمط من البيعة، فمن منا يدعي أن قراراته متطابقة مع رؤى الإمام بحيث لا يريد إلا مايريده الإمام عليه السلام ؟ وكذلك في مجتماعتنا ، فمهما خاطبنا أئمتنا عليهم السلام بأنهم أئمة الإنس والجان كما وردت في الزيارات، ولكن تصرفاتنا لاتدلّ على ذلك.
فلا تكون تلك العبارات إلا كالشعراء الذين يبدعون في أشعارهم ويقولون ما لا يفعلون ، وحياتهم حياة عادية لا روح فيها ولا إحساس !!
فاذن فنحن لم نبايع علياً عليه السلام بعنوان أنه إمام الإنس والجان !
إذ يفترض أن يكون الإمام هو صاحب القرار والمأموم هو التابع، وعليه فلينظر كل منا إلى قرارة نفسه ليرى من هو صاحب القرار في مجمل تصرفاته هو أمْ إمامه ؟ غالباً ما سنجد أنّ كلٌ منا هو إمام نفسه.
ثم ربما يصل الانسان إلى مستوى بحيث يقول عنه الله تعالى (من اتخذ إلهه هواه)، وهو من اتخذ امامه هواه.
وهذا الانسان هو شيعة نفسه لا شيعة علي عليه السلام؛ لأن القرارات كلها بيد النفس، فليس المهم كيف اتخذ القرار وعلى أي أساس أتخذ القرار، بل المهم من الذي يتخذ القرار ؟؟؟
فلو أني رأيت أن هذا البحث هو الأهم فالقيته على الناس ، فالمنتخب هو أنا !!
كذلك المستمع، إن حضر الدرس أو المحاضرة فانتخب هذه النقطة وأعجبته دون تلك ، فهو المنتخب وهو المقرر في النهاية. وهاهنا تكمن المشكلة !
ثم هذا المستمع يذهب إلى أهله ويطرح الموضوع حسب فهمه فيأخذ قسماً ويلغى قسماً آخر ، كذلك بالنسبة إلى عائلته فهم بدورهم قد انتخبوا قسماً من البحث ولم تعجبهم الأقسام الأخرى وهكذا !!
فالكل إذن يتخذ القرار بحسب ما تراه نفسه !! وكلٌّ آلهة لنفسه، والامام المعصوم حينئذ يظلُّ مهجوراً لا يتبعه أحد من هؤلاء الناس، فكيف يمكن أن يقال لهم شيعة !
هذا خارج عن الإنصاف فينبغي أن نقول في يوم الغدير لعلي أمير المؤمنين عليه السلام وفي محرم للإمام الحسين عليه السلام :
سيدي ومولاي : قراراتي طوال السنة كلها بيدي فارجو منك في هذا اليوم بالخصوص أو في هذا الشهر أن تتولى أنت اتخاذ القرار ،
حينئذ ستشاهد أن النوافذ انفتحت والأنوار قد تشعشعت والإشراقات نوّرت القلب و أحيت النفس بعد ما كانت مظلمة وميتة!!
لماذا نشاهد أنّ فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام رغم صغر سنّها ولكنها نورانية وينبثق من وجودها ومن قبرها النور وتسطع في قلوب العلماء بحيث أن كبارالمراجع كالامام الخميني قدس سره وآيت الله بهجت قدس سره يستضيئون بنورها ويتعلمون في مدرستها النورانية ويتعلمون ما لم يكونوا يعلمون ؟؟؟
لماذا هذا النور الشديد فيها سلام الله عليها؟
لأنها قالت أريد الذهاب إلى خراسان لاتبع امامي الرضا عليه السلام، كانت بصدد تبعية الإمام عليه السلام وكانت تريد أن يتخذ الامام عليه السلام القرارات لها، لا أنها تستفيد من الإمام فحسب ! فهذا هو سرّ نورها الشديد .
فالميزان هو تبعية الامام ليس الا لا كثرة المعلومات .
من أين عرفت هذا الامر العظيم ؟
تعلمته من كربلاء ، فأصحاب الامام الحسين عليه السلام كانوا كذلك بل هم القمة في التبعية لامامهم ولا يوجد أحد أرقى منهم في هذه الصفة .
وكم فرق بينهم وبين الكوفيون فكانوا يريدون الامام الظاهري وأما القرارات فستكون بأيديهم كما ورد في كتابهم للامام الحسين عليه السلام حيث كتبوا اليه
يستغيثونه بعدما شكوا اليه أحوالهم وما يعانونه من الظلم والجور ان يقبل إليهم ولا يتأخر، فقد اينعت الثمار وحان قطافها
فهم يريدون إماما ظاهريا يخلّصهم من الظلم لا أن يتبعونه في كلّ صغيرة وكبيرة بل القرارات تكون بيدهم .
والحاصل أنه في الغدير لم يبايع الناس إمام الانس والجان وان كانت ألسنتهم تنطق بذلك !
والملائكة لم يكلفوا بكتابة الالفاظ والكلمات الخلابة بل هن يكتبون الأعمال وهي الاساس.
٥- البيعة مع أمير المؤمنين عليه السلام بعنوان أن هناك جنداً عظيماً وهو حزب الله في قبال جند آخر عظيم وهو حزب الشيطان.
والقائد لحزب الله في جميع الازمنة هو أمير المؤمنين عليه السلام وسيظهر هذا الجيش العظيم وستظهر إمارة الأمير في الحرب النهائية مع جند إبليس في آخر الزمان بحيث أن الكل سوف يرونه.
فلو أنني أقبل إمارة علي فينبغي أن لا استيقظ من نومي ألا وأنا أرى نفسي أحد جنوده عليه السلام المطيعين فأخاطبه يا أمير المؤمنين أنت ماذا تأمرني ؟
كم عدد من يفكر منَّا في هذا الأمر ويدعو الله لنيل ذلك؟
وأين هذه الدرجة من بيعتنا لعلي بن أبي طالب عليه السلام ؟
٦- وهي أعلى درجات البيعة بأن نعتقد أن علياً عليه السلام هو ولي الأمر،
أي مصداقا لقوله تعالى:( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم )
ولكن أي أمر هذا ؟ هو ما جاء في أول النحل (أتى أمر الله )
فهو ولي أمر الله والغدير هو مشروع ولاية أمر الله، وينبغي أن نبايعه بعنوان ولي أمر الله ، ونخاطبه بقولنا: ياعلي أنت المتولي لأمر الله وأنت من ستسلم الأمر إلى صاحب الأمر حين يظهر؛ إذاً فهذا هو الدافع لأن نكون تحت ولايته وما البيعة إلا من أجل ذلك .
ولكن من منا يفكر هكذا ؟
إبراهيم الأنصاري
يوم الغدير-1435