kiii
  • عنواننا في التلغرام : https://telegram.me/al_kawthar الإيميل : alkawthar.com@gmail.com
  • اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْن ِ (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتى تسكنه أرضك طوعا و تمتعه فيها طويلا)

عاشوراء منهج إصلاح و تغيير

20157 20153 20151 هـ - الموافق 11 أكتوبر 2015

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدّمة:

عندما نتجوّل في ثنايا التأريخ ونسير في زواياه نشاهد أن أحداثاً مؤلمةً وقعت فيه قد انعكس تأثيرها في المجتمع في برهةٍ من الزمن ثم أخذت طريقها نحو النسيان، باستثناء واقعة الطف المؤلمة تلك اللوحة التي رسمها سيد الشهداء (عليه السلام) فهي لم ولن تنمحي أبداً، بل تتجلّى صورتها و تتّضح معالمها وتنكشف أسرارها و تشرق أنوارها لتستوعب أرجاء العالم وترتقي إلى سائر العوالم .

ولكن ثمّة سؤالٌ يطرح نفسه: لماذا ضحّى الإمام (عليه السلام) بكلّ ما لديه من أعزائه وأقربائه وحتى طفله الرضيع فأسكنهم في وادي كربلاء فقُتل رجاله و أُسرت نسائه وأطفاله ، فهل جنى الإمام ثمرة هذه التضحيات ؟ واين هي ؟ وهل يمكننا أن نلمس نتاج هذه الثورة ؟

أقول: إنّ هناك أمراً عظيماً لا يمكننا إدراكه بعقولنا الناقصة وهو المقام الذي اكتسبه الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) باستشهاده، حيث خاطبه الرسول (صلّى الله عليه وآله) (( إنَّ لك في الجنّةِ درجاتٍ لا تنالها إلاّ بالشهادة )) بحار الأنوار 44 / 310 .

ومع غضّ النظر عن هذا المقام ، لواقعة الطف بنحو عام نتيجتان:

الأولى : قصيرة المدى، وتتلخَّص في:

( كشف الوجه الآخر لبني اُميّة ، والممهِّدين لهم من أسس أساس الظلم والجور على بيت العصمة والطعارة  بنحو عام ، وإظهار خبث الطاغية يزيد بن معاوية عليه اللعنة بنحو خاص ) وهذه رغم أهميَّتها البالغة لا تشكِّل البعد الأهمّ في هذه النهضة المباركة، ولا تتناسب مع ما حدث في كربلاء من جرائم بحقّ سيّد شباب أهل الجنَّة ، وريحانة رسول الله الإمام الحسين (عليه السّلام) .

وقد تحقّق هذا الأمر- أعني انكشاف مساوئ بني اُميّة- من خلال مواقف كثيرة أهمِّها :

  • خطب وكلمات الإمام الحسين (عليه السّلام)
  • المواقف البطوليَّة لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى والإمام زين العابدين وسائر السبايا من آل محمد من خلال الخطب والمناظرات ، كخطب السيدة زينب (عليها السّلام) وخطب الإمام زين العابدين (عليه السّلام) في الكوفة و الشام ، وأيضا مناظراتهم مع الأعداء في الكوفة والشام.
  • زيارة الأربعين وخروج الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري (رضوان الله تعالى عليه) برفقة مفسِّر القرآن عطيَّة العوفي إلى زيارة قبر أبي عبدالله الحسين (عليه السّلام)؛ حيث إنَّ هذه الزيارة قد قضت على جميع الأضاليل الإعلامية التي نشرتها بنو أميّة، وذلك في عقر داره و عاصمة حكومته- أعني الشام-، ومن هنا صارت زيارة الأربعين من السنن التي تشخِّص هويَّة مدرسة أهل البيت عليهم السلام وزيف مدرسة بني أميّة .

فالأربعين كان حدثاً غير منتظر ومفاجأة عظمى إذ لم يكن عامّة الناس على علمٍ بمقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، ولذا فإنّ زيارة جابر وعطية لقبره (عليه السّلام) ثبّتت اُموراً كثيرة: كأصل استشهاده (عليه السّلام)، وفضيلة زيارته، وفضيحة بني اُميّة، لا سيّما أنّ الزيارة قد تحققت مقترنةً بالتمثيل والتجسيد كالتعطّر ولبس الإحرام وبطئ المشي والجلوس ووضع اليد على القبر؛ كي تبقى في الأذهان مدى العصور والأزمان .

  • إقامة مجالس العزاء ، وإحياء ذكر سيّد الشهداء من قِبل الأئمَّة الطاهرين (عليهم السّلام)، والحث على ذلك ببيان فضائلهم، ومثالب أعدائهم، وأهمِّية الإنشاد فيهم .
  • الزيارات المأثورة ذات المحتوى الثقافي الدقيق، والمتكررة في كلّ المواسم الخاصّة التي تعدّ من أيّام الله .

الثانية : بعيدة المدى وتتخلص في :

( إيجاد أرضية خصبة لبسط الإسلام المحمَّدي الأصيل على جميع بقاع الأرض في ظل الحكومة الإلهيَّة والتي سوف يؤسِّسها ولي العصر وصاحب الأمر الحجَّة بن الحسن المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ومن ثمَّ استقامة دين الله، وتحقّق مصداقية خلق الإنسان، بل خلق السماوات والأرض، وإظهار الحكمة الإلهيَّة والفلسفة الربّانية من خلق الكون، وتجسيد هدف بعث الأنبياء جميعاً . وحينئذٍ سيكون هناك تناسب بين إراقة تلك الدماء الطاهرة وهذه الغاية المنشودة؛ حيث إنَّها الغاية من الدين والمغزى من بعثة جميع الأنبياء والمرسلين والسرّ في نبوَّة خاتم النبيّين .

فالحجَّة ابن الحسن المهدي (روحي له الفداء) هو وارثهم جميعاً، وبه يملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، (حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) . وأثبتنا هذه الحقيقة من خلال استقراء تامّ للآيات الكريمة والأحاديث والزيارات والأدعية الشريفة .

وقد لخّص الإمام الحسين (عليه السلام) هذا الأمر في كلمة مختصرة ولكنّها جامعة فقال :(إنّي لم أخرج أشَراً و لا بَطَراً وَ لا ظالِماً وَ لا مُفسِداً اِنّما خَرجْتُ لِطَلَبِ الاصْلاح فِي اُمّة جَدي رسول الله )  تشاهد أنّ الإمام لا يرى غاية وراء هذه الثورة المباركة إلا الإصلاح في الأمّة .

ولنا أن نتساءل: هل تحقّق أي إصلاحٍ في الأمة؟ وهل تمسكت الأمّة بالإسلام المحمدي الأصيل بعد استشهاد الإمام (عليه السلام) ؟ أم أنّ التاريخ يكشف عن انتشار الفساد من حكّام الجور بعد يزيد، فبنو العباس ليسوا بأقلّ إجراما من بني أميّة بل وكذلك انتشار الفساد من الأمّة نفسها حتى وصل بها الحال إلى التناحر والتقاتل، ويكفينا ما نشاهده اليوم في العراق وأفغانستان و سوريا وباكستان وغيرها من الدول الإسلامية.

ونحن سوف نركّز على  حقيقة الإصلاح الذي ورد في كلام سيد الشهداء، الإصلاح في قبال اللاهدفية وهي الأشريّة والبطريّة والفساد والظلم.

إجمالاً نقول: نحن لا يمكننا العثور على جواب هذا السؤال  في كربلاء؛ بل لابدّ و أن نرجع إلى بداية خلق آدم عليه السلام وهبوطه ثمّ خروجه من الجنّة، ثمّ نتطلّع لما سيحدث بعد قيام الإمام المهدي عجّل الله فرجه لنعرف علاقة حادثة كربلاء بالإصلاح الحقيقي الذي سيحققه الإمام والذي جاء في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(الأنبياء/105).

فقد ركّز الإمام الحسين عليه السلام على ذلك في أوّل كتاب وصل إليه من الطاغية حيث قال: في الجواب : ( ومثلي لا يبايع مثله ) ولكنه عليه السلام أعقبه بقوله :( ولكنْ نُصبح وتُصبحون, وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة ).

ولكن متى سيتحقق هذا الأمر؟ في الحقيقة إنّها إشارة إلى ذلك اليوم الذي سوف يواجه فيه جيش الإمام(عجل الله فرجه الشريف) جيش بني أميّة كما تؤكّد على هذه الحقيقة الكثير من الأحاديث والزيارات وجملة من الأدعية كدعاء الثالث من شعبان يوم مولد ريحانة المصطفى(ص)، ومن هذا المنطلق سيكون كلّ يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء فجميع أيام الله من يوم نوح ويوم إبراهيم و بل وحتّى يوم الغدير ويوم المباهلة ويوم الدين ويوم الكرّة والقائم كلها عاشوراء، وجميع الأراضي من الأرض الأولى إلى السابعة طولاً وعرضاً هي كربلاء.

والركب الذي شكّله الإمام الحسين عليه السلام ما هو إلا حالة ملكوتية  وخلاصة مضغوطة لركبٍ عظيمٍ بدأ من هبوط آدم وسيختم باحقاق الحق (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)(الأنفال/7).

بالتمعن في هذا الأمر نعرف مدى أهميّة واقعة كربلاء وما هو محلها من الاعراب.

إذن ينبغي لنا ان نتعرف على هذا الركب العظيم لنعرف مدى تأثير كربلاء فيه؛ إذ لولا كربلاء لتوقف ولم ينطلق ليصل إلى غايته.

الصالحون في القرآن :

مصطلح الصالحين في القرآن يختلف تماماً عن (من يعمل صالحا)؛ وإن كان العمل الصالح وسيلة قد توصل الإنسان إلى مقام الصالحين، فالصالحون مفهوم يشير إلى مصداق خارجي عيني، وسوف نذعن بذلك عندما نلاحظ الآيات التي وردت في شأن الأنبياء (ع) فهم رغم كونهم معصومين إلا أنهم  يتمنون الالتحاق بالصالحين .

فركب الصالحين يمشى بلا توقف، قد بدأ في السير منذ أن خرج آدم من الجنّة وهو ما زال يتحرك متصاعدا نحو الأعلى .

لإثبات ذلك ينبغي لما أن نتدبر بعض الآيات عن لسان عددٍ من الأنبياء:

١- النبي يوسف (ع):

قال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(يوسف/101).

ولا يخفى أنّ هذا الدعاء صدر من يوسف بعدما وصل إلى شئ الملك المعنوي لا -الملك كلّه- وذلك إثر اجتيازه مرحلة الوزارة ، والسؤال هو:

فأين الملك الذي هذا منه؟ إنّه الملك العظيم الذي جاء في قوله (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا)(النساء/54).

والأحاديث تؤكّد على أنّ آل إبراهيم هم أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، ولعّله هو الملك الذي لا يبلى الذي وردفي الآية (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى)(طه/120)، وقد كان الأولى بآدم(ع) أن لا يصدّقه ويرّد عليه  قائلاً: ليس لي أن أتقرّب لهذا الملك الخاص بأهل بيت العصمة والطهارة ولا ينبغي أن أطلبه لنفسي؛ فهو هو لمن هم أفضل منّي لمحمدٍ وآله ،  ولكنه كان قد اشتاق إليه ثمّ تقرّب منه، فلم تثبت عزيمته في المهدي (عجل) ودولته- كما ورد في الحديث- ولم يحضَ بالنبوّة المتكاملة فهو ليس من أولي العزم من الرسل، وقد ورد في الحديث (باسناده عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر(عليه السلام‏) قال: إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً أجاجاً، فامتزج الماءان....إلى أن قال (عليه السلام): ثم أخذ الميثاق على النبيِّين فقال: ألست بربِّكم؟ ثمَّ قال: وإن هذا محمَّد رسول الله وإن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى؛ فثبتت لهم النبوة. وأخذ الميثاق على أولى العزم: إني ربُّكم ومحمَّدٌ رسول الله وعليٌّ أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي وأنَّ المهديَّ أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأُعبدُ به طوعاً وكرهاً؟ قالوا؟ أقررنا وشهِدنا يا ربِّ. ولم يجحد آدم ولم يقرَّ فثبتت العزيمةُ لهؤلاء الخمسة في المهديِّ ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به، وهو قوله (عزَّ وجلَّ): "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما")  بحار الأنوار ج 26 ص 279 رواية 12 باب 6

وجاء في بداية دعاء العشّاق للإمام الحجّة - دعاء الندبة-: (فمنهم من أسكنته جنتك إلى أن أخرجته منها)؛ فكاّنه يريد من الإنسان أن يسأل نفسه: لم أُخرج آدم من الجنّة؟ وإذا عرف السرّ سيكون هو المخيّم على تفكيره إلى نهاية الدعاء ، ولا يخفى أن آدم (ع) قد تاب بعد ذلك، فاستمر بالسير مع هذا الركب ( رغم أنّه لم يرجع إلى جنّته ).

وأمّا يوسف(ع) فيُفهم من دعائه ذاك أنّه في كان في حال التذلل الكامل فلا طمع له في الملك العظيم، وبعد ذكر النعم الإلهيّة توسّل (ع) بالفاطرية حيث قال (فاطر السماوات والارض) لأن الفاطرية تعني الإبداع لا من شيئ؛  ومن ثمّ دخل في ساحة الولاية (أنت وليي في الدنيا والآخرة ) وهي الولاية التكوينية التي تشمل الدنيا والآخرة، لأنّ الولاية الإلهية لابدّ أن تظهر في النشأتين.

ثمّ إنّه لم تكن تلك الأمور من يوسف (ع) سوى مقدمة للطلب الرئيس وهو (توفني مسلما و ألحقني بالصالحين) ولكن لمَ هذا الطلب ؟أو لم يكن نبي الله مسلماً؟

 الجواب أن مقصوده هو الوصول إلى قمّة الرشد والعلو وهو الإسلام الذي جاء في قوله تعالى  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ...)(آل عمران/102،103). فهو(ع) يريد هذا المقام -أعنى الاعتصام بالحبل المتين-، ثمّ يريد الخروج من قبره شاهراً سيفه وأن يكون من الذي ينتصر الله به دينه ولذلك قال (وألحقني بالصالحين). وذلك حينما رأى عظمة ركب الصالحين اشتاق اليه وطلب الالتحاق به.

ولا ننسى أن هذا الدعاء  إنما صدر منه (ع) في نهاية المطاف بعد أن رفع أبويه على العرش.

 والجدير بالذكر أن قصة يوسف بحذافيرها إنّما هي تبيين سير البشرية من آدم إلى المهدي عجل الله فرجه الشريف وهناك وجوه شبه كثيرة مشتركة  بينهما .

٢- ابراهيم الخليل (عليه السلام):

وأمّا إبراهيم (عليه السلام) فباعتبار أنّه من الأنبياء أولي العزم فشأنه أعلى من شأن سائر الأنبياء؛ ولذلك فهو لا يكتفي بالدعاء بل ينطلق إلى العمل الميداني الصعب حباً وعشقاً لذريته وهم أهل البيت (عليهم السلام).

   كيف لا وهو أول المسلمين، فهاهو يهاجر إلى مكة ليرفع القواعد من البيت، ويجتاز الابتلاءات  المتنوعة الصعبة فيمنحه الله سبحانه من الدرجات ما لم يعط أحداً من العالمين في زمانه، ولكنه وعلى الرغم من ذلك يطلب أمرين:

الحكم  والالتحاق بالصالحين (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(الشعراء/83).

وتنبؤنا الأحاديث الشريفة  عن الدور الرئيس الذي اضطلع به إبراهيم (عليه السلام) في التهيئة والتمهيد لذريته عبر آليات متعددة منها: بناء البيت، وطلب رؤية مناسك الحج التي هي تجسيد لأمر الظهور في أرض الحجاز وبعبارة أخرى "مناورة مهدويّة"،  فالحج الابراهيمي مناورة مرتبطة بالحجة(عج) ودولته، فالكعبة رمز الإمام تُؤتى ولا تأتي، والمشعر ليلة الظهور، والطواف تجلي العشق وقد شرحنا هذا الأمر في كتابنا "الحج مناورة مهدويّة" .

 وباعتبار أنّه من أولي العزم فارتباطه بدولة الإمام أشد فلابدّ وأن يعطى درجات عليا من الحكم ليتمكن من إدارة الركب الواقع تحت ولاية صاحب العصر وولي الأمر روحي فداه .

3-إسحاق (ع):

لم يكتفِ إبراهيم (ع) أن يكون هو من الصالحين؛ بل طلب ذلك لولده إسماعيل وإسحاق، حيث يقول: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ)(الصافات/101،100)، وايضاً استجاب الله دعوته في إسحاق (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ)(الصافات/112)

4- يحيي (ع):

و قد ذكر القرآن صفاته متوالية بالترتيب من الأدنى الى الأسمى (فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ)(آل عمران/39)‘ وعليه فإن أعلى صفاته هو كونه من الصالحين، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن هذه الصفة هي أهمّ من السيادة والحصورية و النبوة -رغم أهميّة النبوّة- !

والجدير ذكره أنّ  يحيى(ع) لم يدخل في ركب الصالحين إلا بعد أن اعترف بعيسى بن مريم (ع)؛ ولعلّ السرّ في ذلك يكمن في أنّ عيسى (ع) له دور رئيس في حكومة الصالحين كما سيظهر لك بعد ذلك .

5-عدد من الأنبياء:

 (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ)(الأنعام/85). ولا يعقل أن يمتدح الله نبيا بأنه صالح طيب، وإلا لكان من قبيل أن يقال (مثلاً): آية الله الشهيد الصدر كان يصلي ويصوم! فهذا لا يعدّ مدحاً بل هو نوع من التقليل في شأن هذا المرجع العظيم !

 فإذا مرتبة الصالحين مرتبة جليلة عالية لا يبلغها إلا ذو حظ عظيم .

6- عيسى (ع):

هو من أبرز الصالحين وأفضلهم  والسبب في ذلك هو ارتباطه المباشر بركب الإمام المهدي (روحي فداه)، فعيسى (ع) هو المنتظر حقيقةً وهو آخر الأنبياء قبل الخاتم، وقد اطلّع على آفات ملك الأنبياء وقصر عمرها فاشتاق إلى الملك المهدوي. وأولوا العزم(ع) كلّهم منتظرون وصابرون بل غدا الصبر السمة المميّزة لهم، فحينما يريد سبحانه أن يعرّفهم يقول (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ ..)(الأحقاف/35).و المشهور عندنا هو صبر أيوب ويعقوب(ع) لا أولي العزم فما السرّ في هذا ؟

 في الجواب أقول: إن صبر أولي العزم هو الصبر الحقيقي الذي يعني انتظار الفرج وهو أفضل العبادة، وقد تميّز عيسى بذلك فهو المنتظر حقاَ للملك المهدوي العظيم وهو المبشّر الذي دعا الحواريين لمعرفة النبي الخاتم باسمه السماوي أحمد(صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين) (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ .. )(الصف/6)، ولذلك نخاطب الإمام المهدي روحي فداه (هل إليك يابن أحمد سبيل فتلقى) فتأمل !!

قال تعالى في شأن عيسى(ع) : (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ)(آل عمران/46).ومن اللافت هنا أن التكلّم في المهد يعدّ معجزة، وأما كونه يكلّمهم كهلاً فما وجه الإعجاز فيه؟ فالكهل هو بين الثلاثين والخمسين فأي عجب في تكلّمه مع الناس؟!

في الحديث ((قد كلّمهم عيسى في المهد، وسيكلّمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذٍ كهل)): معجم احاديث الامام المهدي ع: ج5 ص54 ح1476.

ووجه الاعجاز هاهنا أنه عندما غاب كان ابن العشرينات ولكنه سينزل مع الإمام المهدي(عج) وهو في الاربعينات، ولذلك أعقبها بقوله (ومن الصالحين) فهو من المجموعة التي جاء في حقها قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(الأنبياء/105).

7- داوود وسليمان(ع) :

مع ملاحظة الآية أعلاه يتضح لنا بأنّ وراثة الأرض من قبل الصالحين بشارة لم يختصّ بها القرآن بل هو أمرٌ مكتوب في الزبور و التوراة، وقد كان من المسلمات عند بني إسرائيل لا نظرياً فحسب؛ بل وحتى على مستوى التطبيق العملي الميداني، وهذا يتطلب شرحاً وافياً لسنا بصدده في هذه الورقة.

حكى القرآن قصّة سليمان تفصيلاً، وتطرّق إلى موضوع وادي النمل: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ.حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ.فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)(النمل 17-19).

فهنا يتبين الفرق  بين المصطلحين فذكر في البداية العمل الصالح قائلاً: (وأن اعمل صالحا ترضاه) ولكنه لم يقتصر عليه،  بل تلاه بقوله: (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) ومن الواضح أن الصالحين هنا لا بدّ وأن يراد منه أمرٌ آخر، وهو الدخول في المجموعة المنتخبة المرحومة التي تنطلق إلى دولة الصالحين

 

8- لوط (ع)

(وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ. وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ)(الأنبياء/75،74).

نستفيد من هذه الآية علاوة على إثبات المطلب أنّ الصالحين يحظون بالرحمة الإلهية الواسعة.

 والجدير بالذكر أنّ لوطاً في صراعه مع قومه يقول: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ )(هود/80).

وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): (ما كان قول لوط عليه السلام لقومه: "لو أنّ لي بكم قوةً أو آوي إلى ركنٍ شديدٍ " ، إلا تمنيّاً لقوة القائم (عليه السلام)، ولا ذَكَرَ إلا شّدةَ أصحابه، وإن الرجل منهم ليُعطى قوةَ أربعين رجلاً، وإنّ قلبه لاشدُّ من زبر الحديد، ولو مرّوا بجبال الحديد لقلعوها، ولا يكفُّون سيوفهم حتى يرضى الله عزوجل ": البرهان: ج 2 ص 231 ح 32  ـ

 

 9- يونس (ع)

قال تعالى : (لَوْلاَ أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ)(القلم/49). فقوله "لولا ان تداركه" يدلّ على خطورة الموقف مثلما تقول: لو لا تداركني فلان لغرقت.  فيا ترى ما هي تلك النعمة التي تداركته في بطن الحوت؟  ثمّ قال  (فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ)(القلم/50).

الالتحاق بالصالحين:

ثمة سؤال يطرح نفسه وهو هل يمكننا نحن الالتحاق بهذا الركب العظيم وما هي الشروط التي ينبغي توفّرها في المؤمن ليكون ممن ينتصر به الإمام المهدي عجل الله فرجه ؟ القرآن الكريم قد أجاب على هذا السؤال في قوله:

 (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ، ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)(النساء69،70).

وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)(العنكبوت/9).

وقوله: (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)(آل عمران/114). فمن أهم شروط الصالحية هو المسارعة في الخيرات وعدم التباطؤ قال تعالى (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )(البقرة/148).

  • عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): " المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، عدة أهل بدر فيصبحون بمكة، وهو قول الله عزوجل: (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا)، وهم أصحاب القائم " *: البرهان: ج 1 ص 162 ح 5 ـ ماعدا آخره، عن كمال الدين.
  • عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله:( فاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً) قال: «نزلت في القائم (عليه السلام) و أصحابه يجتمعون على غير ميعاد». *: البرهان: ج 1 ص 162 ح 3 ـ عن النعماني، و في سنده "محمد بن يعقوب الكليني".

وفي الدعاء "اللهم برحمتك في الصالحين فادخلنا في عليين فارفعنا"

النتيجة :

على ضوء ما ذكرنا نعرف عمق كلام سيد الشهداء(صلوات الله عليه) حيث قال: (إنّي لم أخرج اَشَراً و لا بَطَراً وَ لا ظالِماً وَ لا مُفسِداً اِنّما خَرجْتُ لِطَلَبِ الاصْلاح فِي اُمّة جَدي رسول الله )، ونعرف أن برنامج الإمام(عليه السلام) ورؤيته ليس لزمن ما، بل هي رؤية ثاقبة لا تعرف الزمان ولا المكان أصلاً، بل تنطلق نحو دولة الحق وحكومة الإمام المهدي( روحي فداه) ذلك الإمام الذي به يملأ الله الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا " وهذا هو منطق أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث قال: (اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَ لَا الْتِمَاسَ شَيْ‏ءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَ لَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَ نُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ ) نهج البلاغة للشيخ محمد عبده ج2 ص18.

وفي قبال الإصلاح هو الأشر والبطر الذي لا مقصد له ولا غاية فحركاته ومواقفه تكون عشوائية و تؤول إلى التيه والضياع مهما كانت في الظاهر صحيحة ، وهذا الأمر ورد في زيارة الإمام (عليه السلام) أيضاً" فعنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: (مَنْ أَرَادَ زِيَارَةَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ (ع) لَا أَشَراً وَ لَا بَطَراً وَ لَا رِيَاءً وَ لَا سُمْعَةً مُحِّصَتْ ذُنُوبُهُ كَمَا يُمَحَّصُ الثَّوْبُ فِي الْمَاءِ ) منتهى المطلب (ط.ق) - العلامة الحلي - ج ٢ - الصفحة 892. أي يقصد الإمام عليه السلام لهدف أهمّه إستجابة دعوته حيث نادى "هل من ناصر ينصرني" ولذلك نقرأ في الزيارة الرجبية (لَبَّيْكَ داعِيَ اللهِ اِنْ كانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَني عِنْدَ اسْتِغاثَتِكَ وَلِساني عِنْدَ اسْتِنْصارِكَ، فَقَدْ اَجابَكَ قَلْبي وَسَمْعي وَبَصَرَي، سُبْحانَ رَبِّنا اِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) وهذه الجملة من تشير إلى الهدف النهايي من زيارة الإمام عليه السلام وهي الإرتباط نحو دولة المهدي حيث يتحقق الوعد الإلهي .

ثمّ : إنّ الإمام عليه السلام أستعرض ركب الصالحين بعد ما اختفى وأظهره بعد أن استتر ، هو قد أحيى تلك الحركة بحيث كلما اعتراه بطئ وفتور زاده سرعة و حماساً  ، فواقعة الطف وإن كانت مؤلمة وحوادثها مرّة ظاهرا ولكنّها في غاية الجمال والروعة باطناً، وقد رأت زينب عليها السلام ذلك البعد الباطني فقالت " ما رأيت إلا جميلا" .

صرخة الإمام الحسين عليه السلام هي صرخة جميع الأنبياء والأولياء في طلب الإصلاح والرشد والعلو بعد أن ملأت الأرض ظلماً و جوراً ولذلك ثأره ثأرهم جميعاً وثأرنا جميعاً وهو ثار الله.

كما أنّ لثورة الإمام الحسين جانب ملكوتي إعجازي حيث قلّص الإمام عليه السلام واختصر ركب الصالحين من يوم آدم عليه السلام إلى آخر الزمان في ست وعشرين يوماً ، فعصر عاشوراء بمنزلة آخر الزمان حيث وقعت فيه جميع الجرائم و الفساد والظلم ، ومن ثمّ استلمت مسؤولية حركة ذلك الركب عقيلة بني هاشم زينب سلام الله عليها و مازالت القافلة تنطلق و ما زالت سرعتها تتزايد وجمالها يضفو وعشاقها يتزايدون حتي تشمل كافة أرجاء العالم وتصل إلى غايتها عند ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه من ولد الحسن عليه السلام ، فلعاشوراء دور حيوي في دولة الحق .

دور عاشوراء في توجيه جيش الحجَّة:

تكملة للبحث وتعميما للفائدة سنتحدّث عن دور عاشوراء في توجيه جيش الإمام المهدي عجّل الله فرجه ، فللحسين (عليه السّلام) دور رئيس في ذلك الجيش الإلهي الذي سوف يحقّق انتصارات كبيرة ، فهناك ظواهر حسينيّة في الثورة المهدوية من مختلف النواحي ، منها الجانب الإعلامي والروحي ؛ فإنَّ شعار جيش الحجَّة هو : ( يا لثارات الحسين ) .

هذا ما تدلُّ عليه عشرات الأحاديث ، مضافاً إلى الدعم القرآني. ونكتفي بالحديثين التاليين :

1 ـ في الحديث المعروف عن الريان بن شبيب ، عن الإمام الرضا (عليه السّلام) : ( ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره ، فوجدوه قد قُتل ، فهم عند قبره شعثٌ غبرٌ إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره ، وشعارهم : يا لثارات الحسين) بحار الأنوار 44 / 582 ، ب43 ، ح32 .

فالذي يدفعهم إلى تعزيز جيش الحجَّة ونصرته ، إنَّما هو طلب ثأر الحسين (عليه السّلام) ؛ لأنَّه هو ثأر الله وابن ثأره ، والوتر الموتور ، كما ورد في كثير من الزيارات : (السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره ، والوتر الموتور) بحار الأنوار 101 / 352 ، ب30 ، ح1 .

2 ـ وفي حديث آخر عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في وصف أصحاب الحجَّة (عجّل الله تعالى فرجه) يقول : (فيهم رجال لا ينامون الليل ، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ النحل ، يبيتون قياماً على أطرافهم ، ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ، ليوثٌ بالنهار ، هم أطوع له من الأمَة لسيِّدها ، كالمصابيح كأنّ قلوبهم القناديل ، وهم من خشية الله مشفقون ، يدعون بالشهادة ، ويتمنَّون أن يُقتلوا في سبيل الله ، شعارهم يا لثارات الحسين ، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر ، يمشون إلى المولى أرسالاً ، بهم ينصر الله إمامَ الحقّ) بحار الأنوار 25 / 307 ، ب26 ، ح82 .

ولا يخفى ما في قوله (عليه السّلام) : ( لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل) ، فهذه الصفة بعينها صفة أصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام) في ليلة عاشوراء .

الأنبياء الإمام الحسين الإمام المهدي:

على ضوء ما شرحنا نقول :

 الإمام الحسين عليه السلام هو حلقة وصل بين جميع الأنبياء وبين دولة الإمام المهدي أرواحنا فداء .

 فلو أن سير البشرية نحو التعالي والعروج والهداية من يوم هبوط آدم يُشبَّه بكتاب، ففهرس هذا الكتاب يتواجد لدى الأنبياء و محتواه في كربلاء وتطبيقه في دولة الإمام عجّل الله فرجه الشريف ، فكلّ ما في الفهرس متواجد في المتن تفصيلا ، وقد كتب هذا الكتاب من أجل أن يطبّق فلولا عملية التطبيق لا تعرف أهمية هذا الكتاب ، وأيضاً لا يمكن كتابة الفهرس إلا بعد الدقّة في محتوى الكتاب وهذا ما حدث ، فالأنبياء عليهم السلام جاؤوا إلى كربلاء للتعرف على جوانبه وأبعاده ومن ثمّ رجعوا و شرعوا في كتابة فهرسه فلا عجب أن ينطلق آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى إلى كربلاء ، جاؤوا ليتطلّعوا على الكتاب كي يتمكنّوا من أداء الواجب الذي على عاتقهم و ليس هو إلا معرفة المنهج لأنّ:

عاشوراء منهج إصلاح وتغيير

اللهم أرزقني شفاعة الحسين يوم الورود وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.

إبراهيم الأنصاري البحراني

 

مشهد الإمام الرضا عليه السلام

 

 

 

 

تاريخ الإنشاء: 20127 20123 20121 هـ -الموافق 11 سبتمبر 2012