حقيقة الحصن الحصين
بسم الله الرحمن الرحيم
(لا إله الا الله حصني)
وردت في شأن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام جملة من المفاهيم العظيمة التي تستوقفنا لحاجتها الى التأمل، و منها :
١-مفهوم النجم ٢- مفهوم الحصن ٣- مفهوم الحبل ٤- مفهوم السفينة ٥- مفهوم امير المؤمنين
وبنظرة إجمالية لاستعمالات تلك المفردات نرى أن النجم في الليل، أما الحصن فيحتاج له عند الهروب، وبالنسبة للحبل فعند حدوث الزلازل، في حين نحتاج الى السفينة عند تموّج الجبال وتموّرها ، وأما مفهوم أمير المؤمنين فهو مدخر للحرب النهائية مع ابليس.
و ثامن الحجج مولانا علي بن موسى الرضا صلوات الله وسلامه عليه له دور كبير في مرحلة الهروب ، وهذا يحتاج إلى بيان:
هجرة الإمام عليه السلام
انطلق الإمام الرضا عليه السلام من المدينة إلى البصرة، ثم إلى حوالي أهواز (سوق العرب) فبهبهان ، ومن ثم إلى حوالي فارس فأبرقو ثم إلى مرودشت فيزد، مروراً إلى مرو ثم إلى سبزوار، ومنها إلى نيسابور وبعدها إلى سرخس فطوس ، ختاماً بسناباد.
وخلال هذه المسيرة تحدّث الإمام عليه السلام بكلمات كثيرة ولكن أهم كلمة كانت في نيسابور حيث بلغ كتّاب تلك الكلمة العظيمة اثنا عشر ألف كاتب، ونشير إلى أن أولئك كانوا ينظرون إلي الرضا عليه السلام كابن للرسول (صلى الله عليه وآله) لا كإمامٍ معصوم، وكم كان ذلك الموقف مهيباً وعظيماً لا سيما لو عرفنا أن كتّاب الخطبة الغديرية على عظمتها لم يبلغوا سوى 120 كاتب فحسب.
فلنتصور هذا المشهد وحينها لنا أن نتساءل: هل يعقل أن يتحدث الإمام عليه السلام في ذاك الجمع الغفير بمضامين واضحة ومعروفة للكل، ويقول سمعت أبي موسى .. قال سمعت أخي رسول الله قال أخي جبرئيل قال الله : (كلمة لا إله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي بشروطها وأنا من شروطها)؟
فلابد أنها كلمة عظيمة تحتوى على أسرار وخفايا غامضة يلزمنا الكشف عنها.
المتعمقون
في الكافي بالسند المتصل إلى الشيخ الأقدم والركن الأعظم محمد بن يعقوب الكليني - رضوان الله عنه - عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد قال :
سئل علي بن الحسين عليهما السلام عن التوحيد فقال : (إنّ الله عز وجل علم أنه سيكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله تعالى : ( قل هو الله أحد )، والآيات من سورة الحديد إلى قوله ( وهو عليم بذات الصدور) فمن رام ذلك فقد هلك) أصول الكافي ، كتاب التوحيد ، باب النسبة ، ح 3 .
إذا تأملنا في سورة التوحيد التي يحفظها الجميع -بل وحتى الأطفال - ومع أنها ذات معنٍ عميقة للغاية؛ وما هذا الحضور البارز لهذه السورة العظيمة إلا وسيلة لكي تنتقل من شخص الى شخص حتى يأتي من يكشف بواطنها، و كذلك هو الحال في حديث الحصن فتأمل ..
قاعدة قرآنية روائية
عندما نتدبر في الآيات و الروايات الشريفة ويستوقفنا نص ما بحيث لا نتمكن من معرفته حق المعرفة، أو بدا لنا وكأنه لا عمق فيه ولا يحتاج إلى تفسير؛ فيلزم علينا عندئذ أن نلاحظه ثانية ولكن مبتدئين بنهايته وذيله وهكذا حتى نصل إلى مطلعه وسنعثر على اسراره قطعاً.
وعليه حينما نتفحص حديث الحصن بدءاً من مطلعه ولا نعرفه حق المعرفة وننظر إليه وكأنه من أوضح الواضحات، ومن ناحية أخرى نشاهد ظروفه الزمانية والمكانية والحالية، وننظر الى قائله وهو ثامن الحجج شمس الضحى عليه السلام؛ علينا أن ننطلق من آخره فنتأمل في باديء ذي بدء في كلمة : (عذابي) فما المقصود منها ؟
عذابي:
لا يخفى عليكم أن كلمة (عذابي) حيث أضاف الله الضمير إلى نفسه تختلف تماماً عن الموارد الأخرى كعذاب الآخرة، العذاب الأكبر، العذاب المهين، عذاب واصب، عذاب عظيم، عذاب جهنّم، عذاب مقيم
فقد ورد في القرآن (عذابي) في تسعة مواضع وهي:
- (و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد) (ابراهيم/7)
- (و أنّ عذابي هو العذاب الأليم )(الحجر/50)
- في ستة موارد جاءت {عذابي} في سورة واحدة وهي سورة قمر
الأول: بعد طوفان نوح
والثاني: بعد قصّة عاد حيث قال (تنزع الناس كأنّهم أعجاز نخل منقعر)
والثالث : في قصة قوم ثمود قال: (إنّا أرسلنا عليهم صيحة واحدةً فكانوا كهشيم المحتظر) والرابع: قوم لوط (و لقد صبّحهم بكرة عذاب مستقر).
من الملاحظ أن (عذابي ) أطلقت على عذاب هذه الدنيا في هذه الآيات فلا يمكن إنكار القول بأنّ عذابي يشمل عذاب الدنيا ؛ ذلك العذاب الذي يحتاج إلى (حصني ).
فما هو الحصن إذن؟
هذا العذاب لا يمكن التخلص منه بالتوبة أو الجلوس في البيت أو الفرار؛ فليس هو مجرد حريق وليس هو عذاب النار كلا !
بل الوسيلة الوحيدة التي يمكنها أن تخلّصنا من هذا العذاب هو الحصن وليس أي حصن وإنما هو (حصني)، أي: لابد أن يلتجأ الانسان إلى ملجأ يحتمي به ويختفي فيه ويتسلح ويترصد فإن الحصن كما ورد هو ما يستفاد منه في الحرب؛ فلو كان هو عذاب النار لأمكن التخلص منه بالدعاء والاستغفار، إذ أنه قابل لذلك حيث نردد في الدعاء (ربنا آتنا في الدنيا وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)( الغوث الغوث خلصنا من النار يا رب).
ولكن هذا العذاب يختلف تماما عنها إذ يقول (ع) : (من دخل حصني أمن من عذابي )، أي :من لم يدخل هذا الحصن مهما كان مستواه العلمي او العملي أو الاخلاقي -فتلكم الأمور لا تنفعه أصلاً- فهو أيضاً ممن سيتعذب لا محالة .
فعجيب أمر هذا العذاب!!!
ولذلك لم يقل : فمن دخل حصني أمن من ( ناري ) ، بل قال : عذابي.
واللطيف أنه القضية عامة ومطلقة فلا استثناء في البين، بل هو حكم عام يشمل كافة الازمنة والامكنة:(فمن دخل حصني أمن من عذابي ).
سؤال يطرح نفسه وهو : هل حدث في الأزمنة السابقة نظير لهذا العذاب بحيث يستفاد منه في بيانه ومعرفته ؟
وهذا العذاب بما أنه ينسب إلى الله فلا يتحدد بزمان خاص ؛ بل قد وعد الله به في السابق وعلى أقل التقدير من زمن الرسول صلى الله عليه وآله؛ والدليل هو أن أول راوٍ للحديث هو رسول الله صلى الله عليه وآله في السلسلة الذهبية، ومن ثمّ كان هذا العذاب معروفاً وربما مطروحاً من قبل الأئمة عليهم السلام ولكن لم اختص الامام الرضا (ع ) ببيانه وذلك بعد مئتي سنة؟؟!!
فيا ترى ما هو هذا العذاب ؟ و لماذا عبّر عنه بعذابي؟
ثم لمَ لم ينزل العذاب في السقيفة المشؤومة ؟ ولماذا لم يصبّ في عاشوراء ؟
وكم من ظلم وقع فلماذا لم يتحقق هذا العذاب؟
وما حقيقة ذلك العذاب الذي من أجله يهاجر الإمام الرضا (ع) ألى خراسان وحيداً، ولا يعلن عنه إلا بعد اجتماع اثني عشر الف كاتبٍ ؟!
فالقضية إذاً أعظم مما نتصور، فهو خبر عظيم وذلك لأن مبيّنه هوالإمام عليه السلام شخصياً لا من قبل أحد وكلائه ، وكذلك فإنه عليه السلام لم يطرحه في محاورة او مجلس بحث بل طرحه في خطبة عظيمة بين جمع غفير فيا له من موقف عظيم كأن القيامة قد قامت !!
السؤال هو: لماذا لم يبينه ثامن الحجج وهو في المدينة المنورة أو في أي محطة اخرى في طريق الهجرة؟
وإنما لكون هذه القضية لها علاقة بسرّ الهجرة المباركة، بل واقعاً كانت هي الدافع
لطيّ تلك المنازل الصعبة و كان التخطيط الإلهي يقتضي أن يصل الإمام إلى القاعدة التي من خلالها سينطلق إلى المقصد النهائي ألا وهي خراسان.
والآن هل هناك حادثة في تاريخ البشرية شبيهة بهذه الحادثة؟
والجواب: نعم إنها حادثة نوح، والقرآن يبينها هكذا:
قال تعالى:(لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ. قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ)(الأعراف/ 59-64).
وفي مورد آخر:(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ .فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ.فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ.وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ. وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ. تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ. وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ. فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)(القمر/16-9)
فالله سبحانه حيث أراد أن يعذب أولئك القوم أرسل شخصية عظيمة إليهم لينذرهم مباشرةً وهو نوح عليه السلام والذي كان من أولي العزم ؛ وذلك أن العذاب سيشمل العالم كله فاستلزم ذلك عدة أمور:
١- أن يذهب إليهم،
٢- وأن ينذرهم،
٣- وأن يبني حصناً متحركاً وهو السفينة.
فلو أردنا أن نقايس واقعة الهجرة الرضوية بشيء فهي على أقل التقادير شبيهة بحركة نوح (ع) المباركة ،إلا أن حادثة الهجرة أوسع في الأطر والشمولية من حيث المكان والزمان.
وحيث أن الإمام صلوات الله عليه أعظم شأناً من نوح ( عليه السلام) فإن تلك الواقعة أعظم وأكبر وأوسع وأشمل من طوفان نوح، وإلا لو افترضنا أن حادثة الطوفان أعظم للزم أن يرسل الله الامام الرضا (ص) هناك وأن يأتي بنوح في خراسان!
فنوح هناك كان معلناً للرسالة وهنا الامام كذلك، بالإضافة إلى ذلك فإن كليهما كانا منذرين.
ونوح عليه السلام قد صنع حصناً وهو السفينة، وأما الإمام الرضا صلوات الله عليه فإنه كذلك قد صنع حصن خراسان ، ألا إنه قال: وأنا من شروطها !
أتمنى لو كنا نعرف معنى هذا الحديث قبل ١٢٠٠ سنة وعلى ضوءه كنا نخطط للمستقبل ولكن كما أن قوم نوح لم يعتنوا بالنذر إلى أن أرسل عليهم الطوفان؛ فكذلك أمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم ولن يعتنوا بحديث سلسلة الذهب الى زمن الطوفان والعذاب مع الاسف الشديد،
وهذا معناه تكرار التأريخ حذو النعل بالنعل على ما في الأحاديث.
ولكن الفرق بين الإمام الرضا(ص) ونوح(ع) أن نوحاً كان رسولاً ولذلك كانت بياناته صريحة في دعوته ، أما الامام الرضا عليه السلام حيث لم يكن رسولاّ فلم يصرح في كلامه بتلك المعاني ، بل إنه قام بتبيان كل ذلك بالاشارة، ولذلك نراه قد تحدث بنحو أعجب الكل حيث انصرفوا من ذلك المشهد مرددين: ياله من حديث جميل !! سنكتبه بماء الذهب ونعلقه في بيوتنا ليجمل البيت !!!!! فقط هذا.
وهذا التعامل يعني عدم الاعتناء بتحذير الامام (ع ) بل يدلّ على التمسك بالظاهر وترك الحقيقة وهذا يعني عدم التعقل !!
فاذن ذلك العذاب لابدّ من حدوثه ، وهو عذاب عظيم، فلم يكن طوفان نوح (ع) خاص بمكان دون آخر؛ بل من خلال الايات القرآنية يظهر أنه عمّ الارض قاطبة وبلغ الجبال، حيث أن ابنه حينما قال: سآوي الى جبل يعصمني من الماء، قال(ع): لا عاصم اليوم من امر الله الا من رحم.
فهناك عذاب عظيم سيقع مستقبلاً ، أما ماهية هذا العذاب فهذا ما يجب أن نبحث عنه بدقة!
فيلزمنا استخراج زمن هذا العذاب وكمه وكيفه و توصيفه من القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام .
الامام الرضا صلوات الله عليه كان قد تحدث مع العقلاء ، وتكليف هؤلاء العقلاء هو فك رموز الحديث والتأمل والدقة فيه كلمة كلمة وبدقة فائقة لا المرور عليه مرور الكرام.
هل المقصود من عذابي عذاب :
عصر الغيبة؟
ام آخر الزمان؟
عذاب بدايات زمن الظهور؟
او حينما تدمر السماوات والارض؟
فما هذا العذاب الذي يحتاج الى حصن ؟
كل ما ذكر قد يكون من مصاديق (عذابي)، ولكن الأظهر هو :
-1عذاب آخر الزمان الذي بين قسم منه في قوله تعالى:( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)(الأنعام/65).
قوله لعلّهم يفقهون تدلّ على أنّهم لم يفقهوا (كأن الله يتمنى أن يتفقّه الناس ويعرفوا –ولا يخفى ما تشتمله الاسلوب في اللغة من التمني والترجي لتفقه الناس ومعرفتهم)
-2 عند إعدام السماوات والأرض التي تدلّ عليه أكثر من مائة آية .
فإذن هناك عذاباً سيقع لا محالة وهو عظيم وشديد وللخلاص منه لابد من الدخول في الحصن فمن لم يدخل فيه فسيشمله العذاب لا محالة لأنّه عذاب شامل وسيع لا يختص بقوم دون قوم وطوفان نوح بعظمته فهو ليس إلا مثل لهذا العذاب !
ولذلك قال : فمن دخل حصني أي كل من دخل حصني بلا إستثناء فالعذاب لا يختص المخاطبين في نيشابور بل هو شامل لكل العالم فهؤلاء الناس ليسوا إلا ذريعة للحديث مع الناس ، فلماذا جاء إلى خراسان؟ لأنه أفضل مكان للصد في قبال هذا العذاب لا أن العذاب سيقع في خراسان فإذا قيل لك سيقع حرب ، فتذهب إلى أفضل مكان يمكنك من خلاله أن تنطلق من خلاله للمواجهة.
وهذا العذاب شدته بمكان قد جعل إماماً يتولى بناء حصن للناس
خصوصيات الحصن:
إنّ نوحاً عليه السلام قد صنع حصناً ذات ألواح ودسر وهي سفينة وأمّا حصن الإمام الرضا ما هو ؟ هل هو صاروخ ، اليهود في كتبهم يقولون أنّ في آخر الزمان سينشب حرب عظيم ويجب علينا أن نصنع صواريخ لنهرب إلى السيارات الأخرى !! هكذا في إعلامهم ينشرون ولذلك اليهود هم المتقدمون في علوم الفضاء ، وهو عندهم أمر مقدّس يرون نجاتهم في ذلك فهذا هو حصنهم .
فما هو الحصن الذي عرّفه الإمام الرضا عليه السلام للناس؟
لكي لا يقع الناس في الخطأ و الشبهة قال:
كلمة لاإله إلا الله:
فلم يقل لا إله إلا الله بل قال كلمة لا إله إلا الله قال تعالى : (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)(إبراهيم/24).(تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(إبراهيم/25). فليست الكلمة مفهوماً واحدا بسيطاً بل هي شجرة متكاملة لها أصل و فروع فهذه الكلمة العظيمة وهي الحصن :
فما هو تكليفنا تجاه الحصن ؟ هل هو حبّه ؟ أو أن نتقرّب إليه ؟ أو أن نتّصل به ؟ أو أن نطيعه ؟ كلا ! بل لا بدّ أن ندخل فيه . حيث لم يقل عليه السلام حبل الله ، أو العروة الوثقى بل قال حصني .
يا لها من مشكلة عويصة وأمر صعب ! كيف لنا أن ندخل في كلمة لا إله إلا الله وهو مفهوم والحال أننا أشخاص نتكوّن من لحم وعظم ودم ؟
أ ليس في هذا الحديث خلل ؟ أو في نقله خطأ ؟ كلا بل كتبه إثنا عشر ألف كاتب ويمكن القول بأنّه أقوى حديث ، فلا يمكن أن نتصوّر أنّ فيه خلل .
فكيف ندخل في هذه الكلمة ؟ وهي أصعب من ولوج الجمل في سم الخياط لأنّ الجمل وسمّ الخياط كلاهيهما من جنس واحد ولك أين الإنسان من كلمة لا إله إلا الله؟؟
* فكيف أدخل في قلعة مفهومية ليست من جنس الإنسان المادي ؟ فهل نحن إذن لم نأمن من العذاب ؟ فماذا نفعل وما هي الحيلة ؟
فجميع العقلاء يتحيرون في ذلك وربّما المتواجدون في نيشابور أكثرهم تحيّر في الأمر ونظر بعضهم إلى بعض وذهب الإمام الرضا عليه السلام من غير أن يوضّح لهم الأمر ويخرجهم من الحيرة وكأنّه عليه السلام كان قاصداً في أن يتحيّروا ويتسائلوا !! فأراد أن يحلّ المشكلة ولكن باسلوب تربوي عظيم ( فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها, وأنا من شروطها)
فأراد أن يقول أنّكم يا قوم أصبتم في فكركم ولم تخطأوا وبالفعل لا سبيل لكم الدخول في كلمة لا إله إلا الله ولكن أنا سأرشدكم إلى وسيلة الدخول إليها وهي (بشروطها, وأنا من شروطها) فالكلّ تنفس الصعداء وسكن قلبه .
فهو عليه السلام لا يريد القول كما تصور البعض بأن هذا الأمر صعب لأنه يتطلّب شروطاً ! فلم يكن بصدد تصعيب الموضوع بل أراد أن يسهّله فقال أنه لو راعيتم هذه الشروط لسهل عليكم دخول الحصن المعنوي فانحلّت العقدة فهو قد فتح الطريق للمؤمنين ولم يسدّ عليهم الطريق ، وقوله : وأنا من شروطها يعني:
( أن هجرتي من مدينة جدّي إلى هنا إنمّا هي من أجل ذلك ).
ولاية الله:
هل لأحد أن يفرّ من حكومة الله تعالى ؟ كلا ، ( ولا يمكن الفرار من حكومتك ) (أين المفرّ) فلا يمكن تصور شيء أو شخص خارج عن ولاية الله تعالى يقول أمير المؤمنين عليه السلام (ما رأيت شيئاً إلا و رأيت الله قبله و بعده ومعه) فلا يوجد أحد يعيش خارج دولة الرحمان تكويناً أصلا وهذا مقتضى قوله تعالى (الله الصمد) الذي يفسره علي عليه السلام في دعاء كميل بقوله (وبنور وجهك الذي أضاء له كلّ شيء).
ولكن: المهم هو قبول هذه الولاية الإلهية والإعتراف بها والتسليم إليها وذلك من خلال الشهادات الثلاثة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمّداً رسول الله وأنّ علياً ولي الله ، فمن قبل هذه الولاية وسلّم تسليماً فصار مسلماً حقيقة وهو الدين المرضي (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا) وهذا يعني :
بشروطها:
ومن هنا تعرف السرّ في تأكيد أهل البيت عليهم السلام على قبول ولايتهم كما في الأحاديث الكثيرة ، ولذلك يقول الإمام الحسين عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق) فهو الملاك والمعيار فلا يريد عليه السلام أن يقبله الناس من منطلق ذاتياته البشرية كمنزلته ودرجته الخاصة فلم يقُل ..فمن قبلني لشرفي ومنزلتي في المسلمين وقرابتي من رسول ألله (ص) وما إلى ذلك ...لم يقُل شيئا من هذا ..إنّ قبوله يجب أن يكون عنده (ع) بقبول الحق وهو الله عزّ وجل) فقبول ولاية الله يعني الدخول في الحصن ولا يكون ذلك ميسراً إلا بقبول ولاية أهل البيت عليهم السلام ولكن من خلال قبول الله تعالى.
سدّ الأبواب إلا بابه:
من خلال الحديث نفهم أنّ الورود في الحصن لا يتسر إلا من خلال أهل البيت عليهم السلام ولا طريق آخر أصلاً ، وهذا يشبه (وسدّ الأبواب إلا بابه) فهو يفسرّ حديث الإمام الرضا عليه السلام ، فجميع الأبواب مغلقة إلا باب علي عليه السلام فلا باب آخر للمسجد وهذا ما يدل عليه كلمة (سدّ) لا (أغلق) فلا باب حتّى ينفتح ! وهذا الأمر له دليل عقائدي فلماذا جعل هذا الباب مفتوحاً دون سائر الأبواب ؟
فالورود في كلمة لا إله إلا الله لا يتأتى لأحد أصلا إلا من خلال الشروط ومن تصوّر أنّه يتمكن من الدخول في الحصن من دون الولاية فقد ارتكب شططا وتورّط في الأوهام الباطلة والخيالات الواهية وشاهد سرابا يحسبه ماءاً. هذا : واتضح لنا قوله ع بشروطها وبقي قوله ع (وأنا من شروطها)
أنا من شروطها:
لماذا هاجرالإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان ؟ لم تكن تلك الهجرة إلا ليؤدّي مهمة رئيسة للحرب ألا وهي الدعم اللوجيستي، ولولا ذلك الدعم لما نجحت الحرب المهدوية على الدجال والسفياني، ولما تحققت الآية المباركة :(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)(القصص/5-6).
والتعبير بلفظة (نري) هنا تهديد خطير لهما؛ ولا يتحقق إلا بالدعم. فالإمام الرضا عليه السلام هو قائد الحصن والمسئول عن التموين المادي والأهم من ذلك الدعم المعنوي. هذا ما يحسه المؤمن ويدركه في قرارة نفسه ، فلو سألت أياً من زواره: لم تذهب إلى الإمام الرضا عليه السلام يقول؟ لأكتسب منه وأنتفع من فيوضاته، إنّها الجنّة . ولكن كلّ بحسب معرفته، فالعالم يزوره ليتعلم ، و العارف ليتعالى، و الزاهد من أجل أن يزيد في إيثاره وزهده وهكذا...
ولكن الأهم هو: الدور الرئيسي للإمام في جيش الإمام المهدي- روحي فداه- وهذا لا يتضح إلا إذا نظرنا إلى قبور الأئمة عليهم السلام وتصورنا شجرة القبور ثم لاحظنا أن الوحيد الذي يبعد عن الحروب السفيانية الدجالية هو الإمام الرضا عليه السلام ثم عندما نراجع أهميّة الخراساني من ناحية توجّه الحجّة(عج) إليه، بل و دخوله (عجّل الله فرجه ) في جيشه؛ حينئذٍ نتمكن من معرفة السر في قوله: (وأنا من شروطها)؛ فلولا الإمام عليه السلام وتأسيسه للمدرسة الخراسانية لما تحقق النصر المهدوي . وأمّا دور الجمهورية الإسلامية في ذلك فهو يتطلّب بحثاً طويلا لا أتطرق إليه هنا وسأذكرها في الكتاب إن شاء الله.
والحاصل أن هناك شروطاً ثلاثة رئيسة لإنتصار الحق (يحق الله الحق بكلماته) وهي: 1-المنهاج الحسيني. 2-مسير العلوية نحو المهدوية 3- الدعم الرضوي (كتبه الشيخ إبراهيم الأنصاري البحراني - المنامة - البحرين)