يوسف (8)
الموضوع: مسيرة البشرية في سورة يوسف، يوسف (8)
(قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)(يوسف/17). (وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)(يوسف/18).
السرّ في عشاءً:
{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ}(يوسف/16) {عِشَاءً}: لا يعني العشاء المعروف بل تطلق الكلمة على ما بين المغرب إلى صلاة العشاء .
*لماذا عشاءً ؟
1-الستر: فيمكن ستر الموضوع في الليل حيث لا يشاهدون بوضوح ولا يشاهد بعضهم بعضا خاصة في تلك الأزمنة وبالأخص في بين أهالي البدو حيث كان يعقوب يعيش كما قال سبحانه " وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ " (يوسف/100). وأما في النهار حيث يرى بعضهم البعض فالحياء والخجل سوف تظهر عليهم فتكشفهم فالظلمة لها دور في تثبيت الكذب كيف لا والكذب هو نوع من الظلمة.
منعاً من تحسس الأب:
والروايات تشير إلى أنهم رجعوا مرة ثانية للبئر وكانوا يراقبون يوسف إلى أن تأتى القافلة.
بكـاء أخوة يوسف:
{يَبْكُونَ}: كيف كانوا يبكون؟ وهل الإنسان يستطيع أن يبكي وهو كاذب؟
نعم :
1- فإذا تصور شيئاً مؤلما فسيبكي لا محالة .
وأظن أنَّ ضغط الوجدان على إخوان يوسف هو الذي جرّضهم إلى البكاء ، فرغم أنَّ الحسد هو الحاكم على نفوسهم ومع ذلك يبكون أسفاً حيث كانوا يفضلون عدم حدوث هذه المسألة وكان يتمنون أن لو كان الأب يحبهم أشد من أخيهم يوسف فهم لم يجدوا حلاً إلا التخلص من يوسف وارتكاب الجريمة التي يرونها جريمة وفي نفس الوقت يبكون .
الدليل على كذبهم: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}(يوسف/17)
يا أبَانَا: وفيه نوع من التذلل كما مرّ.
إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ : وهو من السباق أي العَدْو والمقصود هو أن يسبق فيه شخصٌ شخصاً آخر.
1: لا معنى لأن يتسابق عشرة أشخاص مع بعض
2: قولهم "إنّا" تعني أنّ جميعهم قد تركوا يوسف وذهبوا ؟ فكيف تتركوه؟ وهل متاعكم كان ذا أهميَّة فكيف يُترك غلام صغير عنده ، فياترى لو أراد أحد أن يسرق المتاع كان بإمكانه ممانعتهم؟وإن لم يكن المتاع قيِّماً فلم جعلتموه هناك رغم التأكيد على أنّكم ستحافظون عنه
3:قالوا :{وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} ولم يقولوا بعد ذلك ماذا حدث بل قالوا (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)
أولاً: كيف عرفتم أن الذئب قد أكله ؟ ثانيا:ً ألم تدافعوا عنه؟
4: قولهم {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} هذا الكلام يدل على كذبهم دلالةً واضحة.
{.... قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}(يوسف/18).
{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}(يوسف/19)
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}(يوسف/20)
القميص : {..قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا..}
(بل): كلمة بل في اللغة العربية تأتى للإضراب، أي تضرب عما سبق وتنفيه.. فالمقصود أن كل ما قلتموه ليس له أساس واللطيف أنّض السورة تشتمل على موردين أطلق فيها (بل) أحدهما:
{بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}
والثاني: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}
هذه (بل) في بداية السورة صادقة وتلك (بل) ليس كذلك .
قال تعالى {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ} وهنا (سولت لكم) زينت لكم أمرا فرغم أنني أعرفه إلا أنني لا أرى من المصلحة الكشف عنه . فما هو الحل إذا ؟ الحل هو الصبر "فصبر جميل"
الحل هو الصبر: وربما يسأل لم لا يوجد له حل ؟
أقول في الجواب:
وهناك حلان آخران:
1- أن يذهب لنجاة ابنه ولكن هناك خطر آخر يوجه الإبن 2-أن لا يشير إلى كذبهم أصلا حتى بالإيماء وبالإشارة ولكن هذا أيضا يستتبعه ضرر لأنهم بذلك سيشعرون بسيطرتهم على أبيهم ونفوذ خطتهم وبذلك يتوقعون من أبيهم أن يحترمهم
فيعقوب عليه السلام قد بيَّن القصَّة ولكن بنحو مجمل من غير تفصيل.
الصّـبر الجميل:
{..فَصَبْرٌ جَمِيلٌ..} ولذلك يقول : {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(يوسف/86). قال تعالى :{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} سؤال: فلماذا يقول سبحانه عن يعقوب عليه السلام {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}،أسفا على يوسف حيث قال {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ} هذا ما يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.
التّـوكل بعد الصبر:
{..وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ..} {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ} والإستعانة تكون بعد الصبر و هذه الآية تضاهي قوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} وهذا هو التوحيد في الفعل ، فعلى الإنسان أن يعتقد أن كل الأفعال ترجع إلى الله سبحانه وتعالى. {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} رغم أن العبد هو الدبر {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فهذا في طول ذاك لا في عرضه .
إطرح سؤالاً حول هذا الموضوع: