الرسالة الثانية: رمضان، شهرُ التعلق بالله
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین و صلّی الله علی محمد و آله الطاهرین و لعنة الله علی أعدائهم أجمعین
نبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك الذي أنزل فيه القرآن، شهر الضيافة الخاصة الإلهية، شهر الأنوار والبركات الممتدة، شهر الله تعالى، فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للاستفادة القصوى منها، وأن يرزقنا جواهره الثمينة.
هذه رسائل بسيطة بعناوين مختلفة، تتضمن أموراً تساعدنا على تهيئة أنفسنا لاستقبال الشهر الفضيل ومزيد من الاستفادة منه ان شاءلله.
الرسالة الثانية:
رمضان، شهرُ التعلق بالله
في شهرِ رمضان المبارك قد يحدث تغيُّر إيجابي لدى كافة المسلمين بحسب قدراتهم واستيعابهم، بحيث أنه لو قارن الإنسان نفسه في شهر رمضان المبارك بنفسه قبل هذا الشهر سوف يشعر بالتغيّر والتحسّن الإيجابي الذي حدث له ببركة هذا الشهر الفضيل.
فعلى سبيل المثال هناك من لا يقرأ القرآن إلا في شهر رمضان المبارك، ومن لا يكف عن الكذب والغيبة إلا في شهر رمضان، ومن لا ترتدي الحجاب إلا في هذا الشهر، والزاني يصون نفسه طيلة هذا الشهر أو في فترة صيامه على الأقل، وهناك من يمتنع عن سماع الأغاني في شهر رمضان ققط؛ إذاً كلٌ له تغيّره الإيجابي الخاص فيه، قليلاً كان أم كثيراً، بحيث أنّ كل فرد يشعر بالرضا عن نفسه الآن أكثر مما كان عليه قبل هذا الشهر ويتمنى لو أنه يظل على هذا الحال حتى بعد انتهاء شهر رمضان المبارك.
- وأما أنت أيها المخاطب، إن أردت أن تشعر بقربك من الله دائمًا كما تشعر بقربه في شهر رمضان،
وإن أردت التلذذ دوماً من الصلاة والمناجاة والصيام وقراءة القرآن وكافة العبادات، كما تتلذذ بهم في هذا الشهر الفضيل
وإن أردت أن تستمر معك الحالات الروحية التي تصاحبك في هذا الشهر إلى ما بعد انتهائه
وإن أردت أن تودِّع الشهر كالحبيب الذي يفارق حبيبه، وتتلذذ بألم الوداع بل تصبح كالعاشق الذي يحترق من فراق معشوقه
ثم إن أحببت أن تُريدَه وحده سبحانه لاشريك له، ولا تريد سواه أبداً،
لا بدّ أن تتعلق به سبحانه وبشهره الفضيل
فالتعلُّق هو السر!
إذ لا يمكن للمتعلِّق أن يفارق المتعلَّق به أو يغفل عنه أو يخالفه ويعصيه
بل المتعلِّق لا يمكن له أن يتصور نفسه إلا مع المتعلَّق به، فحتى تصور البُعدِ والفراق يستحيل عليه فما بال تحققه.
في كيفية حدوث التعلّق:
يحدث التعلق من خلال رابطة قائمة بين طرفين يكون أساسها العشق والميل.
ولكن هناك شرطٌ لازمٌ لحدوثه -إن كان حدوثُه بطرقٍ طبيعية (لا الانجذاب وغيرها)- وهو الزمان
أي لابدّ أن تمر على هذه الرابطة فترة زمنية كافية لإيجاد التعلق، إذ لا يمكنه أن يوجَدَ في رابطة قصيرة المدة، وأما التعلقات الحاصلة من الروابط الوجيزة فهي تعلقات وهمية لاحقيقة لها، ولذلك ينساهم الإنسان بمجرد مرور الزمان.
فإذاً لكي يتعلق الإنسان بشيءٍ لابد أن يرتبط فيه لمدة زمنية كافية.
ويحتمل أن يكون السر في كون شهر رمضان المبارك ثلاثون يوماً هو حدوث التعلق وتعزيزه بين العبد وربّه، فإن ثلاثين يومًا هي مدة زمنية كافية لأن يتعلق الإنسان بالله تعالى.
ومن الواضح أنه هذا هو الغرض من الضيافة الإلهية الخاصة، فعلى سبيل المثال اذا اراد شخص أن يتقرب إلى شخص آخر يحبه ويميل إليه، فسوف يقيم له ضيافة خاصة ، لأن في الضيافات الخاصة تشتد العلاقة و يتجذّرالارتباط بين الطرفين .
وفي الحقيقة هذه الضيافة الخاصة الربّانية تستهدف توثيق الارتباط وارساءه في العبد ليس إلا .
فالنتيجة هي أن الاستمرارية على عمل ما جداً مهم على الخصوص في هذا الشهر الفضيل، أياً كان؛ مناجاة أم قراءة القرآن أم قيام الليل أم خدمة الناس ونشر العلم و غيره، فالمهم استمراريته والالتزام بأدائه طوال هذا الشهر وعدم تركه إلا لأسبابٍ ضرورية ليحدث التعلق بيننا و بين هذه الأنوار، فتصبح الوسيلة التي تذكرنا بعبوديتنا وتقرِّبنا إلى مولانا.
و أما الحب ثمّ الميل إلى العمل العبادي فقد يحصل أيضاً من الاستمرارية والمداومة بشرط التوسل بأهل البيت عليهم السلام وطلبه منهم فهم معدن الرحمة والرأفة والحنان.
والحمد لله ربّ العالمين.
مريم الأنصاري
29 شعبان 1442