صوتيات
لكي ننمو و نتكامل وننطلق نحو الرشد و التعالي فنتخلّص من الكون النباتي الذي أشار إليه سبحانه في قوله (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتًا)(نوح/17) ونصبح إنساناً يمشي على رجلين فنلتحق بركب الصالحين ، نفتقر إلى أرضيّة خصبة يخيّم عليها نور الله عزّ وجلّ ، ويا حبذا لو كان فيها ربوة وإلى جنبها ماء معين ، فهل تدلّونني على أرضٍ مشتملٍ على هذه المميزات غير أرض كربلاء ؟ إن طلبت نور الله تجده هناك فصاحبه هو مصباح الهدى ذلك (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) وهو النور في الأصلاب الشامخة و الأرحام المطهّرة ، و هو النور الذي لا يطفأ و لن يطفأ أبداً ! وإن أردت الربوة العالية فهذا علي بن الحسين الأكبر و الأصغر وأبو الفضل العباس و بنو هاشم و الأصحاب حين ارتقوا إلى الأعلى! وإن بحثت عن الربوة الظاهرية فعليك بالتل الزينبي الذي رفع بنت فاطمة عليهما السلام إلى أعلى عليين فاكتسبت البصيرة و نادت بأعلى صوتها ما رأيت إلا جميلا! وإن طلبت الماء المعين فأيُّ ماء يعادل ماء الولاية الذي عُجنت بها طينتُك أيها العاشق؟ ذلك الماء (الطهر الطاهر المطهّر من طهر طاهر مطهّر) والذي طهرت به البلاد وطهّر أرضَ كربلاء . فهيّا إلى كربلاء مشياً على الأقدام خلفَ عيسى المسيح عليه السلام و أمّه مريم (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)(المؤمنون/50). و الجدير بالذكر ما في مجمع البيان «وَ آوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ» و قيل: حيرة الكوفة و سوادها. و القرار مسجد الكوفة و المعين الفرات عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام. ولذلك نخاطب شهداء كربلاء (طبتم و طابت الأرض التي فيها دفنتم و فزتم فوزاً عظيماً ) فهنيئاً لزوّارك يا أبا عبد الله ، فالله هو الذي يتكفّلهم (أ أنتم تزرعونه ام نحن الزارعون) و يتقبلّهم ( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ...)(آل عمران/37).(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ...)(الأعراف/58). ... إبراهيم الأنصاري البحراني 9 صفر 1437
جنّة الإمام الحسين عليه السلام: لو ننظر إلى واقعة الطف من منظور الاية 111 من سورة التوبة نعرف السرّ في هذا الزحف العظيم إلى كربلاء من أرجاء العالم رغم عدم وجود أي نوع من الرفاهية المادية الظاهرية هناك ، ورغم التهديد المستمرّ من قبل زمرة بني أمية ! إنّها قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ...) فالتجارة مع الله بالأموال هي مقولةٌ حَسنيّة والتجارة مع الله بالأنفس هي مقولةٌ حُسينية و كلاهما عليهما السلام إكتسبا الجنّة (بأن لهم الجنّة) و صارا سيدي شباب أهل الجنّة . ولكن هل تظنّ أنّ هذه الجنّة تختص بيوم القيامة لا غير ؟ أقول : كلا ! يقول سبحانه : بأنّ لهم الجنّة أي فعلاً وفي هذه الدنيا ، كربلاء هي الجنّة بعينها التي عوّض بها الإمام الحسين عليه السلام ببذلِ نفسه و أنفسِ أحبته ! وجميع زوّاره يتوجّهون إلى الجنّة و هم يشعرون بذلك سواء علموا تفصيلا أو لم يعلموا ، يدخلون في الجنّة و يتنعمون بنعمها رغم أنّها غير ظاهرة ، يشربون فيها من كأس كان مزاجها كافورا ولكنّهم لا يشاهدونها فعلا ، و هذا هو الإصلاح بعينه الذي تحدّث عنه (إنّما خرجت لطلب الإصلاح ) فهو عليه السلام قد حقق الإصلاح في أمّة جدّه و أبيه من خلال خلق جنّةٍ للأمّة في هذه الدنيا ، فيا عاشق الحسين تصوّر لو كانت الدنيا من دون الإمام الحسين عليه السلام هل كان فيها لذّة قيد أنملة ؟ و لو لم تكن كربلاء في الأرض فما قيمة الأرض إذن ؟ ولأجل ذلك نشاهد أنّ الملائكة يحدقون بقبره كما في الزيارة(اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يامَلائِكَةَ رَبِّي الْمُحْدِقينَ بِقَبْرِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلام).